______________________________________________________
ووجه الثاني : أن القبول معتبر في حصول الملك ، فهو إما جزء السبب أو شرطه كقبول البيع فيمتنع تقدّم الملك عليه ، ولأن الموصى له لو ردّ الوصية بطلت ، ولو كان قد ملك لم يزل الملك بالرد ، ولأن الملك الثابت في الحال لا يجوز تعليقه بشرط مستقبل ، لامتناع تقدّم المشروط على شرطه.
واعترض على الأول بمنع انتفاء الملك عن الميت ، فجاز أن يبقى على ملكه ، كما جاز أن يتجدّد له الملك لو مات قتلا ، ووجبت الدية فإنها تدخل في ملكه وتؤدى منها ديونه ووصاياه ، وكما لو نصب شبكة حيا فوقع فيها صيد بعد موته ، وكما لو كان على الميت دين فإن ما يجب صرفه في الدين من التركة باق على ملكه ، وكذا ما يحتاج إليه من مؤنة تجهيزه ودفنه.
ولا دلالة في الآية على انتفاء الملك عن الوارث في الوصية ، لأن المراد : من بعد وصية مقبولة ، بدليل أنه مع عدم القبول يكون الملك للوارث لا محالة ، أو أن المراد من قوله تعالى ( وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ ) (١) ، أي لكم ذلك مستقرا ، بدليل أن الدين لا يمنع ثبوت الملك للوارث مع أنه أقوى من الوصية ، على أن الآية إنما تدل على عدم ملك الوارث قبل الوصية والدين بمفهوم المخالفة ، وهو ضعيف ، ومن ثمّ يملك الوارث النماء.
وجوابه : إنّا قد بيّنا أن الموت سبب في انتقال الملك عن الميت وخروجه عن الأهلية ، وتعلق الدين والوصايا بدية المقتول لا يستلزم كونها مملوكة له ، إذ يكفي في ذلك تسببها عنه فيثبت التعلق وإن كانت مملوكة للوارث ، وليس في النصوص ما يدل على ثبوت الملك له ، وليس هذا بأعجب من تعلّق الدين بمال الغير إذا رهن.
وتعلق الدين بالتركة لا يقتضي كونها مملوكة للميت ، لعدم المنافاة بين تملك الوارث إياها وتعلقه بها ، وكذا مؤن التجهيز والدفن ، ولهذا لو فقد الميت أو بذل ذلك
__________________
(١) النساء : ١٢.