في الصحاح منها بعدم الإمساك عليكم حينئذ بل هو ممسك على نفسه إشعارا بذلك ، ولعله أولى من حمل أخبار المنع على التقية أو الكراهة فإنه فرع التكافؤ ، وهو منتف ، فان التحريم هو المطابق للأصل والاحتياط وظاهر الكتاب وفتوى الأصحاب والإجماع على اشتراط التعليم ، ولا يحصل مع اعتياد الأكل كما قلنا ، ولو تحقق فلا ريب في أن المعهود في تعليم الكلب تأديبه على الإمساك لصاحبه وزجره عن أكل الصيد ، وإطلاقات الكتاب والسنة إنما تحمل على المعهود المتعارف ، والعامة مختلفون في المسألة ، لاختلاف الرواية عندهم ، فالحمل على التقية قائم من الطرفين ، وإن كان ظاهر الخبر الأول أنهم قائلون بالمنع ، إلا أنه يمكن حمله على المنع عندهم ولو من النادر.
لكن الانصاف مع ذلك كله عدم خلو المسألة من إشكال في الجملة ، لكثرة النصوص المزبورة مع خلوها عن الإشعار في شيء منها بوجه الجمع المزبور عدا ما سمعته من التعليل المزبور ، ولو لم يكن إجماعا أمكن الجمع بينها بحمل أخبار المنع على الأكل النادر الذي لا ينافي كونه معلما كما لا ينافي سائر الملكات من ذوي العقول فضلا عن الحيوانات ، ولا فرق في ذلك بين الأكل والاسترسال والانزجار ، وأخبار الجواز على الكلب الذي كان في تعليمه الأكل مما يصيده ، فإنه يكون حينئذ معلما على هذا الوجه.
ودعوى كونه خلاف المتعارف في التعليم لا ينافي كون الحكم الجواز مع فرض وقوعه ، ويكون قوله تعالى (١) ( أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ) واردا مورد الغالب ، لا أن المراد اشتراطه حتى لو علم الكلب على أكل بعض ما يصيده ، خصوصا إذا كان تأديبه على أكل القليل منه ولم يتعده ، بل
_________________
(١) سورة المائدة : ٥ الآية ٤.