خلافه في الفقيه الذي هو بين أيديهم ، حتى في مثل الخلاف والمختلف المعدين لأمثال ذلك.
على أنه لو كان حل النعامة من خصائص العامة لعرف تحريمها في المذهب ، كما علم تحريم الضب والأرنب وغيرهما مما اختصوا به ، فإن أحكام المطاعم والمشارب متميزة عن غيرها بظهور الخلاف والوفاق ، لظهور السيرة فيها بالتناول والاجتناب ، بل الحيوان بخصوصه متميز من بينها باستمرار العادة على التوقي عما يحرم منه ، حتى أن أجرى الناس على المعاصي وارتكاب المناهي لا يجترئ على أكل الحيوان المحرم ، بل ربما تورع عن المشتبه حتى يتبين له الحل.
مؤيدا ذلك كله بعمل المسلمين وتظاهرهم في سائر الأعصار والأمصار على أكلها وأكل بيضها من غير احتياط ولا تناكر ، بل ليست هي عندهم إلا كالغزلان ونحوها من الصيود المحللة ، بل بيض النعام لا يزال يباع ويشتري في سوق المسلمين ، ويوهب ويهدى بمرئي من العلماء والصلحاء وأهل الورع والتقوى من دون نكير ولا أمر باحتياط ولا وسوسة ، بل هي سيرة مستمرة معلومة بدلالة الطارف على التالد ونقل الولد عن الوالد وحكاية الخلف فعل السلف حتى تتصل بزمان صاحب الشرع على وجه يعلم كون الحكم منه بالقول أو الفعل أو التقرير ، فكان ذلك إجماعا محصلا من السيرة المزبورة فضلا عن تحصيله من المفروغية التي ذكرناها بين الأصحاب ، خصوصا مع ملاحظة نصهم على الحيوان المحرم ، والمفروض تناول الناس للنعامة وبيضها في أزمنتهم ، ولم يذكر أحد فيها شبهة أو احتمالا ، وذلك إن لم يستفد منه الضرورة فلا ريب في حصول اليقين منه بكونها من قسم الحلال ، كما هو واضح.
كل ذلك مضافا إلى ما قيل من أصالة الحل والإباحة المستفادة من