يكن ذلك الميل الشديد ـ المسمّى همّا لشدّته ـ لما كان صاحبه ممدوحا عند الله بالامتناع عنه ، لأنّ استعظام الصبر على الابتلاء على حسب عظم الابتلاء وشدّته.
ولو كان همّه كهمّها عن عزيمة اختياريّة ، لما مدحه الله بأنّه من عباده الصالحين.
أو المراد بهمّه مشارفة الهمّ ، كقولك : قتلته لو لم أخف الله تعالى ، تريد مشارفة القتل. أو من قبيل : هممت بفلان ، أي : بضربه وإيقاع المكروه به. ومن حقّ القارئ أن يقف على (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) ويبتدئ قوله (وَهَمَّ بِها) ، لاختلاف معنى الهمّين.
ولا يخفى على من له أدنى مسكة لو وجدت من يوسف عليهالسلام أدنى زلّة لنعيت عليه ، وذكرت توبته واستغفاره ، كما نعيت على آدم عليهالسلام زلّته ، وهي ترك الأولى ، وكذا على داود ، وعلى نوح وعلى أيّوب وعلى ذي النون ، وذكرت توبتهم واستغفارهم. كيف وقد أثني عليه وسمّي مخلصا؟! فعلم بالقطع أنّه ثبت في هذا المقام الدّحض (١) ، وهو أنّه جاهد نفسه مجاهدة أولي القوّة والعزم ، ناظرا في دليل التحريم ووجه القبح ، حتى استحقّ من الله الثناء فيما أنزل من كتب الأوّلين ، ثمّ في القرآن الّذي هو حجّة على سائر كتبه ومصداق لها ، ولم يقتصر إلّا على استيفاء قصّته وضرب سورة كاملة عليها ، ليجعل له لسان صدق في الآخرين ، كما جعله لجدّه الخليل إبراهيم عليهالسلام ، وليقتدي به الصالحون إلى آخر الدهر في العفّة وطيب الإزار.
(لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) في قبح الزنا وسوء عاقبته لخالطها ، لشبق (٢) الغلمة وكثرة المبالغة منها. ولا يجوز أن يجعل «وهمّ بها» جواب «لولا» ، فإنّها في حكم أدوات الشرط ، فلا يتقدّم عليها جوابها ، بل الجواب محذوف يدلّ عليه قوله :
__________________
(١) المكان الدحض : إذا كان مزلّة لا تثبت عليها الأقدام.
(٢) أي : اشتداد الشهوة.