(الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) أي : جزّؤه أجزاء حيث قالوا بعنادهم وشدّة عداوتهم وحسدهم : بعضه موافق للتوراة والإنجيل ، وبعضه باطل مخالف لهما ، فاقتسموه إلى حقّ وباطل. وواحد عضين عضة ، بمعنى الجزء. وأصلها عضوة ، من : عضى الشاة ، إذا جعلها أعضاء. وقيل : أسحارا ، من : عضهته إذا بهتّه (١). وفي الحديث : «لعن رسول الله العاضهة (٢) والمستعضهة».
وإنّما جمع جمع السلامة جبرا لما حذف منه.
وقيل : كانوا يستهزؤن ، فيقول بعضهم : سورة البقرة لي ، ويقول الآخر : سورة آل عمران لي.
ويجوز أن يراد بالقرآن ما يقرءونه من كتبهم ، وقد اقتسموه بتحريفهم ، وبأنّ اليهود أقرّت ببعض التوراة وكذّبت ببعض ، والنصارى أقرّت ببعض الإنجيل وكذّبت ببعض.
وهذه تسلية لرسول الله عن صنيع قومه بالقرآن وتكذيبهم ، وقولهم : إنّه سحر وشعر وأساطير الأوّلين ، بأنّ غيرهم من الكفرة فعلوا بغيره من الكتب نحو فعلهم.
والموصول بصلته صفة لـ «المقتسمين» ، أو مبتدأ خبره (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) من التقسيم ، فنجازيهم عليه. وقيل : هو عامّ في كلّ ما فعلوا من الكفر والمعاصي. عن أبي العالية : يسأل العباد عن خلّتين : عمّا كانوا يعبدون ، وماذا أجابوا المرسلين. وأضاف الله سبحانه نفسه إلى نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم تشريفا له ، وتنبيها للخلق على عظم منزلته عنده. وهذا سؤال تقريع وتوبيخ ، بأن يقول لهم :لم عصيتم؟ وما حجّتكم في ذلك؟ فيظهر عند ذلك خزيهم وفضيحتهم.
__________________
(١) أي : اتّهمته.
(٢) العاضهة : الساحر بلغة قريش.