وذكّرتهم كيف كانوا زُمرا |
|
مضيّعين بدوها والحضرا |
الجاهلية انطوت في الروحِ |
|
والوأدُ فخرٌ للدمِ المسفوحِ |
يُغيرُ بعضهم على بعض فما |
|
يردّهُ إلا الرماحُ والدما |
العدلُ فيهم مبعدٌ والحقُّ |
|
والخير فيهم ضائعٌ والصدقُ |
__________________
إنا رزئنا بما لم يُرزَ ذو شجن |
|
من البريّة لا عُجمٌ ولا عربُ |
قال الراوي : ولم ير الناس أكثر باك ولا باكية منهم يومئذ ، ثم عدلت إلى مجلس الأنصار ، فقالت : يا معشر البقيّة وأعضاء الملّة وحضنة الإسلام ! ما هذه الفترة عن نصرتي ، والونّية عن معونتي ، والغمزة في حقّي ، والسنة عن ظلامتي ؟! أما كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : « المرءُ يحفظ في ولده » ؟ سرعان ما أحدثتم وعجلان ما أتيتم ، الآن مات رسول الله صلىاللهعليهوآله أمتم دينه !؟ ها !! ، إن موته لعمري خطب جليل ، استوسع وهنه ، واستبهم فتقه ، وفقد راتقه ، وأظلمت الأرض له ، وخشعت الجبال ، وأكدت الآمال ، أُضيع بعده الحريم ، وهتكت الحرمة ، وأُزيلت المصونة ، وتلك نازلة أعلن بها كتاب الله قبل موته ، وأنبأكم بها قبل وفاته ، فقال : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى? أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى? عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّـهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّـهُ الشَّاكِرِينَ ).
إيها بني قيلة أأهتضم تراث أبي وأنتم بمرأى ومسمع تبلغكم الدعوة ، ويشملكم الصوت ، وفيكم العدة والعدد ، ولكم الدار والجنن ، وأنتم نخبة الله التي انتخب ، وخيرته التي اختار ، باديتم العرب ، وبادهتم الامور ، وكافحتم البهم ، حتى دارت بكم رحى الاسلام ، ودر حلبه وخبت نيران الحراب ، وسكنت فورة الشرك ، وهدأت دعوة الهرج واستوثق نظام الدين ، أفتأخرتم بعد الاقدام ؟! ونكصتم بعد الشدة وجبنتم بعد الشجاعة عن قوم نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم ( فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ ). ألا وقد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض ، وركنتم إلى الدعة ، فجحدتم الذي وعيتم ودسعتم الذي سوغتم ، وإن تكفروا أنتم ومن في الارض جميعاً فإن الله لغني حميد ، ألا وقد قلت لكم ما قلت على معرفة منّي بالخذلة التي خامرتكم ، وخرو القناة وضعف اليقين ، فدونكموها فاختورها مدبرة الظهر ، ناقبة الخفّ ، باقية العار ، موسومة الشعار موصولة بنار الله الموقدة التي تطّلع على الافئدة ، فبعين الله ما تعلمون ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
ابن ابي الحديد : شرح نهج البلاغة ٤ / ٧٨.