القلوب المؤمنة التي امتلأت بحب الله وعاشت هموم الرسالة بكل وعيها وعمقها.
ومرت فصول كربلاء على الإمام السجاد عليهالسلام كاملة واضحة ، يعيش دقائقها ويرى تفاصيلها ويرصد حركاتها ، بكل ما تمثل من ظُلامة ومأساة وانتهاك وردّة. فكان عليهالسلام الشاهد الأكبر على تلك الجريمة النكراء. كان شاهداً على الإيمان والكفر ، على الوفاء والخيانة ، كما كان شاهداً على الأقوياء المؤمنين المخلصين الذين واجهوا الجيوش المعادية بالثقة ، وعلى الضعفاء المهزومين الذين سقطوا أمام أوّل اشارة من الطغاة. ومَن أصدق شهادة منه وهو ابن النبوّة والإمامة ، فرع الشجرة الطيّبة ذات الأصل الثابت والفرع المتنامي في السماء.
واذا كان أحرار كربلاء ، قد أدوا دورهم وانتهت معاناتهم في أرض الطف ، فإنّ السجاد الصابر ، كان عليه أن يواصل مسيرته ويبدأ مرحلة جديدة من المأساة والمعاناة والدور الرسالي ، مع موكب السبايا من أهل بيته من النساء والأطفال ، كان يرى السياط الحاقدة تلهب الأجساد النحيلة وهو مقيد في ركبه ، ويرى الرماح المجنونة وهي ترفع الرؤوس الشريفة وكأن جيش الظلم لم تروه دماء الحسين وأصحابه ، ولم يكتف بالجريمة البشعة ، فأراد أن يمعن في الانحراف والسقوط الى أدنى مسوياته ، فعمد إلى الانتقام الجسدي والنفسي من ذرّيته ونسائه وأهل بيته عليهمالسلام.
إنّه موت القيم ، وتشويه التاريخ ، وطغيان المسوخ على الانسانية الحقة .. فهل يبلغ التمادي والجهل والظلم والوحشية والحقد ، حداً يخرج فيه الانسان عن إنسانيته كلّها ، فلا يبقى منها سوى الجلد يغطي البطش والطغيان ويغلف الحقد الأعمى والظلم المسعور ؟.
إنّه الانسان ، يملك بيده خيار الواقع الذي يسلكه والمصير الذي يؤول إليه ، فيختار بين أن يسلك سبل الهدى والرشاد فيفوز الفوز العظيم ، أو يختار الانحراف والضلال ، فيمضي في مسالك التيه المعتمة ، ويخسر الخسران المبين :