__________________
=
عليك مصيبة مما خفت من سقوطك من أعين الناس ، وإن كنت على خلاف ما قيل فيك ، فثواب اكتسبته من غير ان يتعب بدنك ، واعلم بأنّك لا تكون لنا ولياً حتى لو اجتمع عليك أهل مصرك ، وقالوا : إنّك رجل سوء لم يحزنك ذلك ، ولو قالوا : إنّك رجل صالح لم يسرك ، ولكن اعرض نفسك على كتاب الله فإن كنت سالكاً سبيله ، زاهداً في تزهيده ، راغباً في ترغيبه ، خائفاً من تخويفه فاثبت وأبشر ، فإنّه لا يضرك ما قيل فيك ، وإن كنت مبايناً للقرآن ، فماذا الذي يغرّك من نفسك ، إن المؤمن معنّي بمجاهدة نفسه ليغلبها على هواها ، فمرّة يقيم أودها ويخالف هواها في محبة الله ومرّة تصرعه نفسه فيتبع هواها فينعشه الله ، فينتعش ويقيل الله عثرته فيتذكر ، ويفزع إلى التوبة والمخافة فيزداد بصيرة ومعرفة لما زيد فيه من الخوف ، وذلك بأنّ الله يقول : ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ).
يا جابر ! استكثر لنفسك من الله قليل الرزق تخلصاً إلى الشكر ، واستقلل من نفسك كثير الطاعة لله إزراءً على نفسك وتعرضاً للعفو ، وادفع عن نفسك حاضر الشر بحاضر العلم ، واستعمل حاضر العلم بخالص العمل ، وتحرّز في خالص العمل من عظيم الغفلة بشدّة التيقظ ، واستجلب شدّة التيقظ بصدق الخوف ، واحذر خفي التزين بحاضر الحياة ، وتوقّ مجازفة الهوى بدلالة العقل ، وقف عند غلبة الهوى باسترشاد العلم ، واسبق خالص الأعمال ليوم الجزاء ، وانزل ساحة القناعة باتقاء الحرص ، وادفع عظيم الحرص بإيثار القناعة ، واستجلب حلاوة الزهادة بقصر الأمل ، واقطع أسباب الطمع ببرد اليأس ، وسد سبيل العجب بمعرفة النفس ، وتخلص النفس بصحّة التفويض ، واطلب راحة البدن بإجمام القلب وتخلص إلى إجمام القلب بقلّة الخطأ ، وتعرّض لرقّة القلب بكثرة الذكر في الخلوات ، واستجلب نور القلب بدوام الحزن. وتحرّز من إبليس بالخوف الصادق ، وإيّاك والرجاء الكاذب فإنّه يوقعك في الخوف الصادق ، وتزيّن لله عزّ وجلّ بالصدق في الأعمال ، وتحبب إليه بتعجيل الانتقال. وإيّاك والتسويف فإنّه بحر يغرق فيه الهلكى ، وإيّاك والغفلة ففيها تكون قساوة القلب ، وإيّاك والتواني فيما لا عذر لك فيه فإليه يلجأ النادمون ، واسترجع سالف الذنوب بشدّة الندم ، وكثرة الاستغفار ، وتعرّض للرحمة وعفو الله بحسن المراجعة ، واستعن على حسن المراجعة ، بخالص الدعاء ، والمناجاة في الظلم ، وتخلّص إلى عظيم الشكر باستكثار قليل الرزق ، واستقلال كثير الطاعة.
=