(و) لكن المشهور بين الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ اعتبار أمور أخر ، كالمصنّف في الكتاب حيث اعتبر (القصد بها إلى أمور أربعة : الوجوب أول الندب ، والقربة ، والتعيين ، وكونها أداء أو قضاء).
وقد عرفت في المبحث المشار إليه أنّ الوجوب والندب ونظائرهما ممّا هو من لواحق الطلب لا يعتبر قصده في مقام الامتثال ، وإنّما المعتبر تشخيص متعلّق الطلب وإتيانه بداعي طلبه ، لا تشخيص مراتب الطلب فضلا عن قصدها.
نعم ، ربما يستغنى بقصد الوجوب والندب عن تعيين الماهيّة المأمور بها ، كما لو انحصر ما هو واجب عليه في قسم خاصّ ، كصلاة العصر مثلا ، فقصد بفعله الصلاة الواجبة عليه بالفعل ، فإنّه حينئذ قاصد للماهيّة المأمور بها بعينها.
وقد تقدّم تفصيل الكلام فيما يتعلّق بالمقام من النقض والإبرام في نيّة الوضوء ، فلا نطيل بالإعادة.
وملخّصه أنّه لا يعتبر في صدق الإطاعة ـ التي تتوقّف عليه صحّة العبادات ـ إلّا اختيار الفعل الذي تعلّق به التكليف ، قاصدا به الخروج عن عهدة ذلك التكليف ، وهذا لا يتوقّف إلّا على تخصيص ذلك الفعل بالقصد بتوصيفه بشيء من خواصّه التي تجعله موافقا للمأمور به كي يصحّ اتّصاف ذلك الفعل الموافق للمأمور به من حيث كونه كذلك بكونه صادرا عن قصد وإرادة ، فالذي يعتبر في المقام إنّما هو تعيين القسم الخاصّ من الصلاة ، كالظهر والعصر ، أو نافلتهما ، أو الآيات ، أو صلاة جعفر ، أو الاستسقاء ، أو العيد ، أو غير ذلك ، وإيقاعه امتثالا لأمره ، فإنّ هذه الصلوات حقائق مختلفة وإن اتّحد بعضها مع بعض صورة ، كما يكشف