هذا ، مع ما ستعرف في محلّه من عدم إمكان حمل الأمر الوارد فيها على الوجوب ؛ لما فيها من المعارضة والاختلاف على وجه لا يكاد يلتئم شتاتها إلّا بالحمل على الاستحباب.
والحاصل : أنّ من تدبّر في أخبار الباب وجمع بينها بردّ متشابهها إلى محكمها لرأى قصورها عن إفادة الوجوب ، خصوصا بعد الالتفات إلى أنّه لو كان شيء منهما واجبا في الشريعة لصار وجوبه كوجوب الفرائض الخمس من ضروريّات الدين ، فضلا عن أن تنعقد الشهرة ـ التي كادت تكون إجماعا ـ على خلافه ، فاشتهار القول بالاستحباب بين الأصحاب في مثل هذه المسألة العامّة الابتلاء بنفسه قرينة كاشفة عن المراد عمّا كان ظاهره الوجوب ، كما أنّه جابر لما في أدلّة الاستحباب من الضعف في سند أو دلالة ، فليتأمّل.
بقي الكلام فيما صرّح به المصنّف وغيره ـ بل في محكيّ المنتهى والتذكرة نسبته إلى علمائنا (١) مشعرا بدعوى الإجماع عليه ـ من أنّه يشترط على النساء في الأذان والإقامة الإسرار ، ومرادهم به على ما فسّره بعض (٢) ، بل ربما يلوح من كلماتهم : خفاء صوتها عن الأجانب ، لا مطلقا.
ومستندهم في ذلك على الظاهر ـ كما يشير إليه بعض كلماتهم الآتية ـ هو البناء على أنّ صوتها عورة ، وإلّا فليس في شيء من الأخبار الواصلة إلينا في هذا الباب ما يشعر باعتبار هذا الشرط ، وحيث لم يتحقّق لدينا ما بنوا عليه من كون
__________________
(١) منتهى المطلب ٤ : ٣٩٨ ، الفرع الثاني ، تذكرة الفقهاء ٣ : ٦٢ ـ ٦٣ ، المسألة ١٧١ ، وحكاه عنهما العاملي في مفتاح الكرامة ٢ : ٢٥٨.
(٢) كالمحقّق الكركي في جامع المقاصد ٢ : ١٦٨ ، والعاملي في مدارك الأحكام ٣ : ٢٦٠.