وقد أشرنا آنفا إلى أنّ الزائد ليس في حدّ ذاته ملحوظا على سبيل الاستقلال كي يقال : إنّه يجوز تركه لا إلى بدل ، وإنّما الملحوظ هو مجموع عمله الذي أوجده بداعي الامتثال الذي هو عبارة عن الاشتغال بجنس الصلاة والصدقة ، الذي هو ـ كالاشتغال بالتجارة ـ عمل واحد قابل للزيادة والنقصان ، فما يقع منه في الخارج بداعي الأمر يقع مجموعه امتثالا له لا أبعاضه وإن كانت أبعاضه أيضا قابلة لذلك على تقدير الاستقلال.
إن قلت : هل الأمر الوجوبي المتعلّق بالطبيعة يبقى بعد حصول الجزء الأوّل الذي تحقّق به المسمّى ، أم لا؟ فإن بقي ، وجب أن يستحقّ العقاب بمخالفته فيما زاد ، وإن لم يبق ، لا يعقل وقوع الزائد امتثالا له.
قلت : إذا أتى بالقدر الذي يجوز له الاقتصار عليه ، ارتفع وجوبه ، ولكن لو لم يقتصر عليه لم يتحقّق الفراغ من الفعل الواجب ، فالزائد يقع جزءا من الواجب ، لا امتثالا لأمره الوجوبي حتّى يتوقّف على بقائه ، كما هو الشأن في جميع الأجزاء اللّاحقة للواجبات التي هي من محسّناتها ، لا من مقوّمات ماهيّتها ، كالتسليمة الأخيرة في الصلاة ، ولا يجب أن تكون أجزاء الواجب بأسرها مأمورا بها بأوامر غيريّة مسبّبة عن الأمر بالكلّ كي يسأل عن حال الأمر الغيري المتعلّق بما زاد عن المسمّى ، فإنّ أجزاء الواجب قد تكون من مقوّمات ماهيّته ، فيجب بوجوبها ، وقد تكون من محسّناته الموجبة لكونه أكمل وأبلغ في تحصيل ما تعلّق به غرض الآمر ، كما في مثل قراءة القرآن والصدقة ونحوهما بالنسبة إلى ما زاد عن المسمّى ، فيكون ذلك الجزء من حيث هو مستحبّا غيريّا ، والفعل المشتمل عليه