الأبيات ، وما ذا (١) تفيدك من العلم وصدرك ينبوعه ، وبخاطرك لا يزال غروبه وطلوعه ، وإنما هي عادة تبعناها أدبا ، وقضينا بها ما في النفس من الإعلام بالتوجّع والتفجّع أربا ، ولعلّ الله تعالى يتبع هذه التسلية بتهنئة ، ويعقب بالنعمة هذه المرزئة. قال : فأمر الملك بتسريحه أثر ذلك ، فلمّا اجتمع وجهه بوجهه جعل يحمد الله تعالى جهرا ويغرّد بهذه الأبيات ، وكان سراحه بكرة : [الطويل]
طلعت علينا كالغزالة بالضحى |
|
وعزّك طمّاح ووجهك مشرق (٢) |
فغفرا لذنب الدهر أجمع إنه |
|
أتى اليوم من حسناه ما هو أليق |
فلح في سماء العزّ بالسعد طالعا |
|
وقدرك سام أفقه ليس يلحق |
فقد سرحت لمّا غدوت مسرّحا |
|
قلوب وأفكار وسمع ومنطق |
فاهتزّ أبوه من شدّة الطرب ، وقال له : والله إنك لتملأ الدلو إلى عقد الكرب (٣).
وله يعتذر ، وقد دعي إلى مجلس أنس : سيدي ، ساعدك سولك ، لمّا وصل إلى أخيك المعتدّ بك رسولك ، قابله بما يجب من القبول ، وأبدي له من الشغل ما منع من الوصول : [الطويل]
ومن ذا الذي يدعى لعدن فلا يرى |
|
على الرأس إجلالا إليها يبادر |
ولكن الاضطرار ، لا يكون معه اختيار ، وإني لأشوق الناس إلى مشاهدة تلك المكارم ، وأحبّهم في محاضرة تلك الآداب المترادفة ترادف الغمائم (٤) ، ولكن شغلني عارض قاطع ، وبرغمي أني لدعوتك عاص وله طائع ، وإني بعد ذلك لحامل على تلك السجية الكريمة في الغفران ، مستجير بالخلاص الذي أعهد من خرق فلان ومكر فلان ، فإني متى غبت لا أعدم مترصدا قرحة يقع عليها ذبابه (٥) ، ومستجمعا إذا أبصر فرصة سلّ عليها ذبابه (٦) : [الطويل]
ولكنني أدري بأني نازح |
|
ودان سواء عند من يحفط العهدا |
وإني لأقول وقد غبت عن تلك الحضرة العليّة ، وجانبت ذلك الجناب السامي والمثابة السنيّة : [الطويل]
__________________
(١) في ب : «ما ذا» بدون واو.
(٢) العز الطماح : العالي ، الطويل.
(٣) أخذ هذا المعنى من قول اللهبي :
من يساجلني يساجل ماجدا |
|
يملأ الدلو إلى عقد الكرب |
(٤) الغمائم : السحب ، جمع غمامة.
(٥) الذباب الأول : الحشرة المعروفة. والثاني : ذباب السيف وهو حده الذي يضرب به.
(٦) الذباب الأول : الحشرة المعروفة. والثاني : ذباب السيف وهو حده الذي يضرب به.