قطوفه لمجتنيه ، مع لوذعية تخالها جريالا (١) ، وسجية يختال فيها الفضل اختيالا ، وكان قد بعد عن أنسنا بحمص ، وانتضى من تلك القمص ، وكان بثغر الأشبونة فسدّه ، ولم ينفرج لنا من الأنس بعده ما يسدّ مسده ، إلى أن صدر ، فأسرع إلينا وابتدر ، فالتقينا وبتنا ليلة نام عنها الدهر وغفل ، وقام لنا بما شئنا فيها وتكفل ، فبينا نحن نفضّ ختامها ، وننفض عنا غبار الوحشة وقتامها ، إذا أنا بابن لسان (٢) هذا وقد دخل إذنه علينا فأمرناه بالنزول وتلقيناه بالترحيب (٣) ، وأنزلناه بمكان من المسرة رحيب ، وسقيناه صغارا وكبارا ، وأريناه إعظاما وإكبارا ، فلما شرب ، طرب ، وكلما كرعها ، التحف السلوة وتدرعها ، وما زال يشرب أقداحا ، وينشد فينا أمداحا ، ويفدي بنفسه ، ويستهدي الاستزادة من أنسه ، فهتكنا الظلام بما أهداه من البديع ، واجتلينا محاسنه كالصديع (٤) ، وانفصلت ليلته عن أتم مسره ، وأعم مبره (٥) ، وارتحل عثمان أعزه الله إلى ثغره ، وأقام به برهة من دهره ، فمشيت بها إليه مجدّدا عهدا ، ومتضلعا من مؤانسته شهدا ، فكتب ابن لسان (٦) هذه القطعة من القصيدة يذهب إلى شكره ، ويجتهد في تجديد ذكره : [البسيط]
ما شام إنسان إنسان كعثمان |
|
ولا كبغيته من حسن إحسان |
بدر السّيادة يبدو في مطالعه |
|
من المحاسن محفوفا بشهبان |
له التّمام وما بالأفق من قمر |
|
متمّم دون أن يرمى بنقصان (٧) |
به الشّبيبة تزهى من نضارتها |
|
كما تساقط طلّ فوق بستان |
معصفر الحسن للأبصار ناصعه |
|
كأنّه فضّة شيبت بعقيان |
نبّئت عنه بأنباء إذا نفحت |
|
تعطّلت نفحات المسك والبان |
قامت عليه براهين تصدّقها |
|
كالشّكل قام عليه كلّ برهان |
قد زادها ابن عبيد الله من وضح |
|
ما زادت الشّمس نور الفجر للرّاني (٨) |
بالله بلّغه تسليمي إذا بلغت |
|
تلك الرّكاب وعجّل غير ليّان |
وليت أنّي لو شاهدت أنسكما |
|
على كؤوس وطاسات وكيزان |
__________________
(١) الجريال : الخمر.
(٢) في ب «ابن لبال».
(٣) في ب ، ه والمطمح «والتقيناه بترحيب».
(٤) في أ«كالصريع». والصديع : الصبح.
(٥) في ب «أتم مسرة وأعم مبرة».
(٦) في ب «ابن لبال».
(٧) في المطمح «دون أن يزري بنقصان».
(٨) الراني : الناظر ، من الفعل رنا يرنو.