يوسف ، وصدمهم بجمعه ، فردهم إلى مركزهم ، وانتظم به شمل ابن عباد ، واستنشق ريح الظفر ، وتباشر بالنصر ، ثم صدقوا جميعا الحملة فتزلزلت الأرض بحوافر خيولهم ، وأظلم النهار بالعجاج والغبار ، وخاضت الخيل في الدماء ، وصبر الفريقان صبرا عظيما ، ثم تراجع ابن عباد إلى يوسف ، وحمل معه حملة جاء معها النصر ، وتراجع المنهزمون من أصحاب ابن عباد حين علموا بالتحام (١) الفئتين ، وصدقوا الحملة ، فانكشف الطاغية ، ومرّ هاربا منهزما وقد طعن في إحدى ركبتيه طعنة بقي يخمع (٢) بها بقية عمره.
وعلى سياق ابن خلكان (٣) أن ابن تاشفين نزل على أقل من فرسخ من عسكر العدو في يوم الأربعاء ، وكان الموعد في المناجزة في يوم السبت ، فغدر الأذفونش ومكر ، فلما كان سحر يوم الجمعة منتصف رجب أقبلت طلائع ابن عباد ، والروم على أثرها (٤) ، والناس على طمأنينة ، فبادر ابن عباد للركوب ، وبث الخبر في العساكر فماجت بأهلها ، ووقع البهت ، ورجفت الأرض ، وصار الناس فوضى على غير تعبية ولا أهبة ، ودهمتهم خيل العدو ، فأحاطت بابن عباد ، وحطّمت ما تعرض لها ، وتركت الأرض حصيدا خلفها ، وجرح ابن عباد جرحا أساءه ، وفر رؤساء الأندلس وتركوا محلاتم وأسلموها ، وظنوا أنه وهي (٥) لا يرقع ، ونازلة لا تدفع ، وظن الأذفونش أن السلطان يوسف في المنهزمين ، ولم يعلم أن العاقبة للمتقين ، فركب أمير المسلمين ، وأحدق به جياد خيله (٦) ورجله من صنهاجة رؤساء القبائل ، وقصدوا محلة الأذفونش فاقتحموها ودخلوها ، وفتكوا فيها ، وقتلوا ، وضربت الطبول ، وزعقت البوقات ، فاهتزت الأرض ، وتجاوبت الجبال والآفاق ، وتراجع الروم إلى محلاتهم بعد أن علموا أن أمير المسلمين فيها ، فصدموا أمير المسلمين ، فخرج لهم عنها ، ثم كر عليهم فأخرجهم منها ، ثم كروا عليه فخرج لهم عنها ، ولم تزل الكرات بينهم تتوالى إلى أن أمر أمير المسلمين حشمه السودان فترجل منهم زهاء أربعة آلاف (٧) ، ودخلوا المعترك بدرق اللمط وسيوف الهند ومزاريق الزان (٨) ، فطعنوا الخيل فرمحت بفرسانها ، وأحجمت (٩) أعن أقرانها ، وتلاحق الأذفونش بأسود نفذت مزاريقه ، فأهوى ليضربه بالسيف ، فلصق به الأسود ، وقبض على عنانه ، وانتضى خنجرا كان متمنطقا به ، فأثبته في فخذه ، فهتك حلق درعه ، ونفذ من
__________________
(١) في ج «بالتحاق الفئتين».
(٢) في أ«يخنع» ويخمع : يعرج.
(٣) ابن خلكان ٦ / ١١٦.
(٤) في ب ، ه «في أثرها».
(٥) الوهي : الشقّ ، التمزّق.
(٦) في ب «وأحدق به أنجاد خيله».
(٧) زهاء أربعة آلاف : أي ما يقارب أربعة آلاف.
(٨) في وفيات الأعيان ، وفي ب «مزاريق الران».
وقد أثبتنا ما في أصول النفح.
(٩) كذا في أ، ووفيات الأعيان. وفي ب «وأجحمت».