الشان من طرق الصواب ، وثناؤنا عليكم الثناء الذي يفاوح زهر الرّبا ، ويطارح نغم حمام الأيك مطربا ، وبحسب المصافاه ، ومقتضى الموالاة ، نشرح لكم المتزايدات ، بهذه الجهات ، وننبئكم بموجب إبطاء إنفاذ هذا الخطاب على ذلكم الجناب ، وذلك أنه لما وصلنا من الأندلس الصّريخ ، ونادى مناد للجهاد عزما لمثل ندائه يصيخ (١) ، أنبأنا أن الكفار قد جمعوا أحزابهم من كل صوب ، وحتم عليهم باباهم اللعين التناصر من كل أوب ، وأن تقصد طوائفهم البلاد الأندلسية بإيجافها ، وتنقص بالمنازلة أرضها من أطرافها ، ليمحوا كلمة الإسلام منها ، ويقلّصوا ظلّ الإيمان عنها ، فقدمنا من يشتغل بالأساطيل من القوّاد ، وسرنا على إثرهم إلى سبتة منتهى المغرب الأقصى وباب الجهاد ، فما وصلناها إلا وقد أخذ أخذه العدو الكفور ، وسدت أجفان الطواغيت على التعاون مجاز العبور ، وأتوا من أجفانهم بما لا يحصى عددا ، وأرصدوها بمجمع البحر حيث المجاز إلى دفع العدا ، وتقلصوا عن الانبساط في البلاد ، واجتمعوا إلى الجزيرة الخضراء أعادها الله بكل من جمعوه من الأعاد ، لكنا مع انسداد تلك السبيل ، وعدم أمور نستعين بها في ذلكم العمل الجليل ، حاولنا إمداد تلكم البلاد بحسب الجهد ، وأصرخناهم (٢) بمن أمكن من الجند ، وجهزنا أجفانا مختلسين فرصة الإجازة ، تتردد على خطر بمن جهز للجهاد جهازه ، وأمرنا لصاحب الأندلس من المال ، بما يجهز به حركته لمداناة محلة حزب الضلال ، وأجرينا له ولجيشه العطاء الجزل مشاهرة ، وأرضخنا (٣) لهم في النوال ما نرجو به ثواب الآخرة ، وجعلت أجفاننا تتردد في ميناء السواحل ، وتلج أبواب الخوف العاجل ، لإحراز الأمن الآجل ، مشحونة بالعدد الموفورة ، والأبطال المشهورة ، والخيل المسوّمة ، والأقوات المقوّمة ، فمن ناج حارب دونه الأجل ، وشهيد مضى لما عند الله عز وجل ، وما زالت الأجفان تتردد على ذلك الخطر ؛ حتى تلف منها سبع وستون قطعة غزوية أجرها عند الله يدّخر ، ثم لم نقنع بهذا العمل في الأمداد ، فبعثنا أحد أولادنا أسعدهم الله تعالى مساهمة به لأهل تلك البلاد ، فلقي من هول البحر وارتجاجه ، وإلحاح العدو ولجاجه (٤) ، ما به الأمثال تضرب ، وبمثله يتحدث ويستغرب ، ولما خلص لتلك العدوة بمن أبقته الشدائد ، نزل بإزاء الكافر الجاحد ، حتى كان منه بفرسخين أو أدنى ، وقد ضرب بطعن يصابح العدو ويماسيه بحرب بها يمنى (٥).
__________________
(١) يصيخ : يسمع.
(٢) أصرخناهم : نصرناهم ، أغثناهم.
(٣) أرضخنا لهم : أعطيناهم.
(٤) اللجاج واللجاجة : العناد في الخصومة والتمادي فيها.
(٥) يمنى بالحرب : يبتلى بها.