وفيكم المؤمل ، فأرعونا أسماعكم (١) المباركة نقصّ عليكم ما فيه رضا الله ، والمنجاة من نكيره ، والفخر والأجر وحفظ النعم ، والخلف في الذرية ، بهذا وعدت الكتب المنزلة ، والرسل المرسلة ، وهو أن هذا القطر الذي تعددت فيه المحاريب (٢) والمنابر ، والراكع والساجد والذاكر ، والعابد (٣) والعالم واللفيف ، والأرملة والضعيف ، قد انقطع عنه إرفاد الإسلام ، وشحت الأيدي به منذ أعوام ، وسلم إلى عبدة الأصنام ، وقوبلت ضرائره بالأعذار ، والمواعيد المستغرقة للأعمار ، وإن عرضت شواغل وفتن ، وشواغب وإحن (٤) ، فقد كانت بحيث لا يقطع السبب بجملته ، ولا يذهب المعروف بكليته : [الطويل]
ولا بدّ من شكوى إلى ذي مروءة |
|
يواسيك أو يسليك أو يتوجّع (٥) |
ولو كانت الأشغاب تقطع المعروب وتصرف عن الواجب لم يفتح المقدّس والدكم جبل الفتح وهو منازل أخاه بسجلماسة (٦) ، ولا أمدّه ولده السلطان أبو عنان وهو بمراكش ، وبالأحس بعثنا إلى الجبل وسماته في جملة ما أهمنا مبلغ جهد وسداد من عوز ، وقد فضلت عن ضرائرنا أموال فرضت من أجل الله على عباده ، وطعام سمحنا به على الاحتياج إليه في سبيل جهاده ، فلم يسهم المتغلب منها لجانب الله بحبة ، ولا أقطعه منها ذرة مستخفا به جل وعلا ، متهاونا بنكيره الذي هو أحق أن يخشى ، فضاعت الأمور ، واختلت الثغور ، وتشذبت الحامية ، وتبدّدت العدد ، وخلت المخازن ، وهلكت بها الجراذن ، وعظمت بها حسرة الإسلام ، أضعاف ما عظمت حبرته أيام ما كانت تكفلها همم الملوك الكرام والخلفاء العظام ، والوزراء والنصحاء ، والأشياخ الأمجاد ، قدّس الله تعالى أرواحهم! وضاعف أنوارهم! ولا كالحسرة في الجبل باب الأندلس وركاب الجهاد وحسنة بني مرين ومآثر آل يعقوب وكرامة الله للسلطان المقدّس أبي الحسن والد الملوك وكبير الخلفاء والمجاهدين والدكم الذي ترد على قبره مع الساعات والأنفاس وفود الرحمة ، وهدايا الزلفة ، وريحان الجنة ، فلو لا أنكم على علم من أحواله لشرحنا المجمل ، وشكلنا المهمل ، إنما هو اليوم شيخ مائد (٧) ، وطلل بائد ، لو لا أن الله تعالى شغل العدا عنه بفتنة لم يصرف وجهه إلا إليه ، ولا حوّم طيره إلا عليه ، ولكان بصدد أن يتخذه الصليب دارا ، وأن يقر به عينا ، والعدوة فضلا عن الأندلس ، قد أوسعها شرا ، وأرهق ما يجاوره عسرا ، نسأل الله تعالى بنور وجهه أن لا يسوّد الوجوه
__________________
(١) أرعونا أسماعكم : أسمعونا جيدا.
(٢) في ب ، ه «المحارب» ومحاريب ومحارب جمع محراب.
(٣) في ه «والراكع والساجد والعابد والذاكر».
(٤) الإحن : جمع إحنه : وهي الحقد.
(٥) في ه «أو يتفجّع».
(٦) في ه «بسلجماسة».
(٧) كذا في ج. وفي ه «شيخ ماثل» وفي ب «شبح مائل».