الأعلى باتصال السعادة واستمرارها ، وانسحاب العناية الإلهية وإسدال أستارها ، حتى تقف الأيام ببابكم موقف اعتذارها ، وتعرض على مثابتكم ذنوبها رغبة في اغتفارها ، فإنا كتبناه إليكم كتب الله تعالى لكم أوفى ما كتب لصالحي الملوك من مواهب إسعاده ، وعرّفكم عوارف الآلاء في إصدار أمركم الرفيع وإيراده ، وأرجى الفلك الدوار بحكم مراده ، وجعل العاقبة (١) الحسنى كما وعد به محكم كتابه المبين للصالحين من عباده ، من حمراء غرناطة حرسها الله تعالى ، وليس بفضل الله الذي عليه في الشدائد الاعتماد ، وإلى كنف فضله الاستناد ، ثم ببركة جاه نبينا الذي وضح بهدايته الرشاد ، إلا الصنائع التي تشام بوارق اللطف من خلالها (٢) ، وتخبر سيماها بطلوع السعود واستقبالها ، وتدلّ مخايل يمنها على حسن مآلها ، لله الحمد على نعمه التي نرغب في كمالها ، ونستدرّ عذب زلالها ، وعندنا من الاستبشار باتساق أمركم وانتظامه ، والسرور بسعادة أيامه ، والدعاء إلى الله تعالى في إظهاره وإتمامه ، ما لا تفي العبارة بأحكامه ، ولا تتعاطى حصر أحكامه ، وإلى هذا أيد الله تعالى أمركم وعلاه (٣) ، وصان سلطانكم وتولاه ، فقد علم الحاضر والغائب ، وخلص الخلوص الذي لا تغيره الشوائب ، ما عندنا من الحب الذي وضحت منه المذاهب ، وأننا لما اتصل بنا ما جرت به الأحكام من الأمور التي صحبت مقامكم فيها العناية من الله والعصمة ، وجعل على العباد والبلاد الوقاية والنعمة ، لا يستقر بقلوبنا القرار ، ولا تتأتى بأوطاننا الأوطار ، تشوّفا لما تتيحه (٤) لكم الأقدار ، ويبرزه من سعادتكم الليل والنهار ، ورجاؤنا في استئناف سعادتكم يشتد على الأوقات ويقوى ، علما بأن العاقبة للتقوى ، وفي هذه الأيام عمّيت الأنباء ، وتكالبت في البر والبحر الأعداء ، واختلفت الفصول والأهواء ، وعاقت الوارد (٥) الأنواء ، وعلى ذلك من فضل الله الرجاء ، ولو كنا نجد للاتصال بكم سببا ، أو نلفي لإعانتكم مذهبا ، لما شغلنا البعد الذي بيننا اعترض ، والعدو بساحتنا في هذه الأيام ربض ، وكان خديمكم الذي رفع من الوفاء راية خافقة ، وافتنى منه (٦) في سوق الكساد بضاعة نافقة ، الشيخ الأجل الأوفى ، الأودّ الأخلص الأصفى ، أبو محمد ابن أحبانا سنى الله مأموله ، وبلغه من سعادة أمركم سوله ، وقد ورد على بابنا ، وتحيز إلى اللحاق
__________________
(١) في ج «وجعل لكم العاقبة الحسنى ...».
(٢) شام البرق : نظر إليه ليعلم أين يهطل المطر.
(٣) في أصل ه «أمركم وعلاكم».
(٤) في أصل ه «تشوقا لما تنتجه لكم الأقدار».
(٥) في ب ، ه «وعاقت الوراد».
(٦) في ب «واقتنى منه».