الكفر انتهابا واحتيازا ، فإنا كتبناه إلى مقامكم كتب الله تعالى لكم سعدا ثابت المراكز ، وعزا لا تلين قناتة في يد الغامز ، وثناء لا يثني عنان سراه عرض المفاوز ، وصنعا رحيب الجوانب رغيب الجوائز (١) ، من حمراء غرناطة حرسها الله تعالى وفضله عز وجل قد أدال العسر يسرا وأحال القبض بسطا ، وقرّب نوازح الآمال بعد أن تناءت ديارها شحطا (٢) ، وراض مركب الدهر الذي كان لا يلين لمن استمطى (٣) ، وقرب غريم الرجاء في هذه الأرجاء وكان مشتطا ، والتوكل عليه سبحانه وتعالى قد أحكم منه اليقين والاستبصار المبين ربطا ، ومشروط المزيد من نعمه قد لزم من الشكر شرطا ، ومقامكم هو عدّة الإسلام إذا جدّ حفاظه ، وظله الظليل إذا لفح للكفر شواظه ، وملجؤه الذي تنام في كنف أمنه أيقاظه ، ووزره الذي إلى نصرة تمدّ أيديه وتشير ألحاظه ، ففي أرجاء ثنائه تسرح معانيه وألفاظه ، ولخطب تمجيده وتحميده يقول قسّه وتحتفل (٤) عكاظه ، وتشيّعنا إلى ذلك الجناب الكريم طويل عريض ، ومقدمات ودنا إياه لا يعترضها نقيض ، وأفلاك تعظيمنا له ليس لأوجها الرفيع حضيض (٥) ، وأنوار اعتقادنا الجميل فيه يشف سواد الحبر عن أوجهها البيض ، وإلى هذا ألبسكم الله تعالى ثوب السعادة المعادة فضفاضا ، كما صرف ببركة إيالتكم الكريمة على ربوع الإسلام وجوه الليالي والأيام وقد أزورت إعراضا ، وبسطت آمالها وقد استشعرت انقباضا ، فإننا ورد علينا كتابكم الذي كرم أنحاء وأغراضا ، وجالت البلاغة من طرسه الفصيح المقال رياضا ، ووردت الأفكار من معانيه الغرائب وألفاظه المزرية بدرر النحور والتّرائب بحورا صافية وحياضا ، فاجتلينا منه حلة من حلل الود سابغة (٦) ، وحجة من حجج المجد بالغة ، وشمسا في فلك السعد بازغة ، الذي بيّن المقاصد الكريمة وشرحها ، وجلا الفضائل العميمة وأوضحها ، فما أكرم شيم ذلك الجلال وأسمحها ، وأفضل خلال ذلك الكمال (٧) وأرجحها ، حثثتم فيه على إحكام السلم التي تحوط الأنفس والحريم بسياج ، ويداوي القطر العليل منها بأنجع علاج ، والحال ذات احتياج ، وساحة الجبل
__________________
(١) في ب «الحوائز».
(٢) الشحط : البعد.
(٣) استميطت الدابة : أردت أن أمتطيها.
(٤) قس : هو قس بن ساعدة الإيادي ، أحد مشهوري خطباء العرب في الجاهلية.
وعكاظ : اسم سوق كان العرب يتناشدون فيه الشعر ويتفاخرون.
(٥) الحضيض : كل ما سفل من الأرض.
(٦) سابغة : واسعة ، فضفاضة.
(٧) خلال الكمال : صفاته الجميلة الحسنة.