كذلك حتى عاذ بالأرق من الفرق ، وقد علق فاتحة العلق ، فلا يجري غيرها على لسانه ، وكأنما كتبت كتابا في جنانه (١).
فصل : ولما أصبح يؤمّ الأهل ، وتوسط الجبل يريد السهل ، وقد قضى الأجل ، وما نضا الوجل ، نوجي (٢) بما في الكتاب المسطور ، ونودي كما نودي موسى من جانب الطور ، فعرض له في طريقه ، ما شغله عن فريقه ، فرفع رأسه متأملا ، فأبصر الملك في صورة رجل متمثلا ، يشرّفه بالنداء ، ويعرفه بالاجتباء (٣) ، وإنما عضد خبر الليلة بعيان اليوم ، وأري في اليقظة مصداق ما أسمع في النوم ، ليحق الله الحق بكلماته ، وعلى ما ورد في الأثر ، وسرد رواة السير ، فذلك اليوم كان عيد فطرنا الآن وغير بدع ولا بعيد ، أن يبدأ الوحي بعيد كما ختم بعيد (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) [المائدة : ٣] فبهت عليه السلام لما سمع نداءه وراءه (٤) ، وثبت لا يتقدم أمامه ولا يرجع وراءه [الكامل].
توقف الهوى بي حيث أنت ، فليس لي |
|
متقدّم عنه ولا متأخّر |
ثم جعل في الخوف والرجاء ، لا يقلب وجهه في السماء ، إلا تعرض له في تلك الصورة ، وعرض عليه ما أعطاه الله سبحانه من السورة ، فيقف موقف التوكل ، ويمسك حتى عن التأمل. [الطويل]
تتوق إليك النّفس ثمّ أردّها |
|
حياء ، ومثلي بالحياء حقيق |
أذود سواد الطّرف عنك ، وما له |
|
إلى أحد إلا إليك طريق (٥) |
فصل : وفطنت خديجة لاحتباسه ، فأمعنت في التماسه ، تزوّجوا الودود الولود ، ولفورها بل لفوزها بعثت في طلبه رسلها ، وانبعثت تأخذ عليه شعاب مكة وسبلها. [البسيط]
إن المحب إذا لم يستزر زارا (٦)
طال عليها الأمد ، فطار إليها الكمد ، والمحب حقيقه ، من لا يفيق فيقه (٧) ، بالنفس
__________________
(١) في جنانه : في قلبه وفؤاده.
(٢) في ه «نوحي» بالحاء المهملة تحريف.
(٣) الاجتباء : الاصطفاء والاختبار.
(٤) راءه : هنا بمعنى رآه. مقلوب منه. والواو عاطفه ، وفي ب ، ه «لما سمعه وراءه».
(٥) في ب ، ه «أذود سوام الطرف».
(٦) في ه «إن المحب إذا ما لم يزر زارا».
(٧) في ب «والمحب حقيقة من لا يفيق فيقة».