عنهم الرجس ، وشرف بخلقهم الجنس ، فإن تميزوا فبشريعتهم البيضاء ، أو تحيزوا فلعشيرتهم الحمراء ، من كل يعسوب الكتيبة (١) ، منسوب لنجيب ونجيبة ، تجاره الكرم ، وداره الحرم ، نمته العرانين من هاشم أبي النسب الأصرح الأوضح ، إلى نبعة فرعها في السماء ومغرسها سرّة الأبطح ، أولئك السادة أحيّي وأفدي ، والشهادة بحبهم أوفي وأؤودي ، ومن يكتمها فإنه آثم قلبه.
فصل : ما كانت خديجة لتأتي بخداج (٢) ، ولا الزهراء لتلد إلا أزاهر كالسّراج ، مثل النحلة لا تأكل إلا طيبا ، ولا تضع إلا طيبا ، خلدت بنت خويلد ليزكو عقبها من الحاشر العاقب (٣) ، ويسمو مرقبها على النجم الثاقب ، لم تجد بمثلها المهاري ، ولم يلد له غيرها من المهاري ، آمت (٤) من بعولتها قبله ، لتصل السعادة بحبلها حبله ، ملاك العمل خواتمه ، ربّ ربّات حجال ، أنفذ من فحول رجال. [الوافر]
وما التّأنيث لاسم الشّمس عيب |
|
ولا التّذكير فخر للهلال (٥) |
هذه خديجة من أخيها حزام أحزم ، ولشعار الصدق من شعارات القص ألزم ، ركنت إلى الركن الشديد ، وسدّدت للهدى كما هديت للتسديد ، يوم نبىء خاتم الأنبياء ، وأنبئ بالنور المنزل عليه والضياء.
فصل : وكان قبيل المبعث بين يدي لم الشعث ، يثابر على كل حسنى وحسنة ، ويجاور شهرا من كل سنة ، يتحرى حراء بالتعهد ، ويزجي تلك المدة في التعبد ، وذلك الشهر المقصور على التبرر (٦) ، المقدور فيه رفع التضرر ، شهر رمضان ، المنزل فيه القرآن ، فبيناه ، لا ينام قلبه وإن نامت عيناه ، جاءه الملك مبشرا بالنجح ، وقد كان لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح ، فغمره بالكلاءة ، وأمره بالقراءة ، وكلما تحبس له غطّه ثم أرسله ، وإذا أراد الله بعبد خيرا عسله [الطويل].
تريدين إدراك المعالي رخيصة |
|
ولا بدّ دون الشّهد من إبر النّحل |
__________________
(١) في ه «يعسوب كتيبة» واليعسوب : الرئيس الكبير في قومه.
(٢) الخداج : بكسر الخاء : الناقص.
(٣) الحاشر العاقب : من أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(٤) آمت : أصبحت أيما ، والأيّم : التي فقدت زوجها.
(٥) البيت لأبي الطيب المتنبي في رثاء أم سيف الدولة الحمداني.
(٦) التبرر : التحنف ، والعتبد.