الفتح : وحملنا لإحدى (١) ضياعه بقرب من حضرة غرناطة فحللنا قرية على ضفة نهر ، أحسن من شادن مهر (٢) ، تشقّها جداول كالصّلال (٣) ؛ ولا ترمقها الشمس من تكاثف الظلال ، ومعنا جملة من أعيانها ، فأحضرنا من أنواع الطعام ، وأرانا من فرط الإكرام والإنعام ، ما لا يطاق ولا يحدّ ، ويقصر عن بعضه العدّ ، وفي أثناء مقامنا بدا لي من ذلك الفتى المذكور ما أنكرته ، فقابلته بكلام أعتقده ، وملام أحقده ، فلمّا كان من الغد لقيت منه اجتنابه ، ولم أر منه ما عهدته من الإنابة ، فكتبت إليه مداعبا له ، فراجعني بهذه القطعة : [الطويل]
أتتني أبا نصر نتيجة خاطر |
|
سريع كرجع الطّرف في الخطرات |
فأعربت عن وجد كمين طويته |
|
بأهيف طاو فاتر اللّحظات (٤) |
غزال أحمّ المقلتين عرفته |
|
بخيف منّى للحين أو عرفات (٥) |
رماك فأصمى والقلوب رميّة |
|
لكلّ كحيل الطّرف ذي فتكات (٦) |
وظنّ بأنّ القلب منك محصّب |
|
فلبّاك من عينيه بالجمرات |
تقرّب بالنسّاك في كلّ منسك |
|
وضحّى غداة النّحر بالمهجات |
وكانت له جيّان مثوى فأصبحت |
|
ضلوعك مثواه بكلّ فلاة |
يعزّ علينا أن تهيم فتنطوي |
|
كئيبا على الأشجان والزّفرات |
فلو قبلت للناس في الحبّ فدية |
|
فديناك بالأموال والبشرات |
ومن إيثار ديانته ، وعلامة حفظه للشرع وصيانته ، وقصده مقصد المتورّعين ، وجريه جري المتشرعين ، أنّ أحد أعيان بلده كان متّصلا به اتّصال الناظر بسواده ، محتلّا في عينه وفؤاده (٧) ، لا يسلمه إلى مكروه ، ولا يفرده في حادث يعروه ، وكان من الأدب في منزلة تقتضي إسعافه ، ولا تورده من تشفيعه في مورد قد عافه ، فكتب إليه ضارعا في رجل من خواصّه اختلط بمرأة طلّقها ، ثم تعلّقها ، وخاطبه في ذلك بشعر ، فلم يسعفه ، وكتب إليه مراجعا : [المتقارب]
__________________
(١) في ه : «إلى إحدى ضياعه».
(٢) في ب : «شاذ مهر».
(٣) الصلال : الأفعى.
(٤) في ه : «فأغربت عن وجد». والأهيف : من ضمر بطنه ورق خصره. وكذلك الطاوي.
(٥) أحم المقلتين : أسودهما. وفي ب : «للحسن أو عرفات».
(٦) أصمى : أصاب المقتل فقتل.
(٧) في ج : «محتفلا في عينيه وفؤاده».