.........................................
____________________________________
حجّ هشام بن عبد الملك بن مروان سنة من السنين ، وكان قد حجّ في تلك السنة محمّد بن علي الباقر وإبنه جعفر بن محمّد عليهم السلام فقال جعفر بن محمّد عليهما السلام : «الحمد لله الذي بعث محمّداً بالحقّ نبياً وأكرمنا به فنحن صفوة الله على خلقه وخيرته من عباده وخلفاؤه ، فالسعيد من اتّبعنا والشقيّ من عادانا وخالفنا».
ثمّ قال : فأخبر مسلمة أخاه بما سمع فلم يعرض لنا ، حتّى انصرف إلى دمشق وانصرفنا إلى المدينة ، فأنفذ بريداً إلى عامل المدينة بإشخاص أبي وإشخاصي معه فأشخصنا.
فلمّا وردنا مدينة دمشق حجبنا ثلاثاً ، ثمّ أذن لنا في اليوم الرابع فدخلنا ، وإذا قد قعد على سرير الملك ، وجنده وخاصّته وقوف على أرجلهم سماطان متسلّحان وقد نصب البُرجاس ـ الهدف ـ حذاه ، وأشياخ قومه يرمون ، فلمّا دخلنا وأبي أمامي وأنا خلفه ، فنادى أبي وقال : يا محمّد ارم مع أشياخ قومك الغرض.
فقال له : إنّي قد كبرت عن الرمي فهل رأيت أن تعفيني؟
فقال : وحقّ من أعزّنا بدينة ونبيّه محمّد صلى الله عليه وآله لا أعفيك ، ثمّ أومأ إلى شيخ من بني اُميّة أن أعطه قوسك فتناول أبي عند ذلك قوس الشيخ ثمّ تناول منه سهماً ، فوضعه في كبد القوس ، ثمّ انتزع ورمى وسط الغرض فنصبه فيه ، ثمّ رمى فيه الثانية فشقّ فواق سهمه إلى نصله ، ثمّ تابع الرمي حتّى شقّ تسعة أسهم بعضها في جوف بعض ، وهشام يضطرب في مجلسه فلم يتمالك إلاّ أن قال : أجدت يا أبا جعفر وأنت أرمى العرب والعجم ، هلاّ زعمت أنّك كبرت عن الرمي ، ثمّ أدركته ندامة على ما قال.
وكان هشام لم يكن كنّى أحداً قبل أبي ولا بعده في خلافته ، فهمّ به وأطرق إلى الأرض إطراقة يتروّى فيها وأنا وأبي واقف حذاه مواجهين له.