.........................................
____________________________________
فلمّا طال وقوفنا غضب أبي فهمّ به ، وكان أبي عليه السلام إذا غضب نظر إلى السماء نظر غضبان يرى الناظر الغضب في وجهه ، فلمّا نظر هشام إلى ذلك من أبي ، قال له : إليّ يا محمّد! فصعد أبي إلى السرير ، وأنا أتبعه ، فلمّا دنا من هشام ، قام إليه واعتنقه وأقعده عن يمينه ، ثمّ اعتنقني وأقعدني عن يمين أبي ، ثمّ أقبل على ابي بوجهه ، فقال له : يا محمّد لا تزال العرب والعجم تسودها قريش ما دام فيهم مثلك ، لله درّك ، مَن علّمك هذا الرمي؟ وفي كم تعلّمته؟
فقال أبي : قد علمت أنّ أهل المدينة يتعاطونه فتعاطيته أيّام حداثتي ثمّ تركته ، فلمّا أراد أمير المؤمنين منّي ذلك عدت فيه.
فقال له : ما رأيت مثل هذا الرمي قطّ مذ عقلت ، وما ظننت أنّ في الأرض أحداً يرمي مثل هذا الرمي ، أيرمي جعفر مثل رميك؟
فقال : «إنّا نحن نتوارث الكمال والتمام اللذين أنزلهما الله على نبيّه صلى الله عليه وآله في قوله : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) (١) والأرض لا تخلو ممّن يكمل هذه الاُمور التي يقصر غيرنا عنها».
قال : فلمّا سمع ذلك من أبي انقلبت عينه اليمنى فاحولّت واحمرّ وجهه ، وكان ذلك علامة غضبه إذا غضب ، ثمّ أطرق هُنيئة ثمّ رفع رأسه ، فقال لأبي : ألسنا بنو عبد مناف نسبنا ونسبكم واحد؟
فقال أبي : «نحن كذلك ولكنّ الله جلّ ثناؤه اختصّنا من مكنون سرّه ، وخالص علمه بما لم يخصّ أحداً به غيرنا».
فقال : أليس الله جلّ ثناؤه بعث محمّداً صلى الله عليه وآله من شجرة عبد مناف إلى الناس
__________________
(١) سورة المائدة : الآية ٣.