لِسَعْيِهِ)(١) ، وقوله تعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى)(٢) ، فإنّ ذلك كله لا يغني إلا مع الاهتداء ، وليس كل من وقع عليه اسم الإيمان كان حقيقا بالنّجاة مما هلك به الغواة ، ولو كان ذلك كذلك لنجت اليهود مع اعترافها بالتوحيد وإقرارها بالله ، ونجا سائر المقرين بالوحدانية ، من إبليس فمن دونه في الكفر ، وقد بين الله ذلك بقوله : (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)(٣) ، وبقوله : (الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ)(٤).
وللإيمان حالات ومنازل يطول شرحها ، ومن ذلك أن الإيمان قد يكون على وجهين : إيمان بالقلب ، وإيمان باللسان ، كما كان إيمان المنافقين على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لما قهرهم بالسيف وشملهم الخوف ، فإنهم آمنوا بألسنتهم ولم تؤمن قلوبهم ، فالإيمان بالقلب هو التسليم للربّ ، ومن سلّم الأمور لمالكها لم يستكبر عن أمره ، كما استكبر إبليس عن السجود لآدم ، واستكبر أكثر الأمم عن طاعة أنبيائهم ، فلم ينفعهم التوحيد كما لم ينفع إبليس ذلك السجود الطويل ، فإنه سجد سجدة واحدة أربعة آلاف عام ، لم يرد بها غير زخرف الدنيا والتمكين من النظرة ، فلذلك لا تنفع الصلاة والصدقة إلا مع الاهتداء إلى سبيل النجاة وطريق الحق ، وقد قطع الله عذر عباده بتبيين آياته وإرسال رسله ، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ، ولم يخل أرضه من عالم بما يحتاج الخليقة إليه ، ومتعلم على سبيل نجاة ، أولئك هم الأقلّون عددا.
وقد بين الله ذلك في أمم الأنبياء ، وجعلهم مثلا لمن تأخر ، مثل قوله
__________________
(١) الأنبياء : ٩٤.
(٢) طه : ٨٢.
(٣) الأنعام : ٨٢.
(٤) المائدة : ٤١.