الآيات التي بينت لك تأويلها ، لأسقطوها مع ما أسقطوا منه ، ولكن الله تبارك اسمه ماض حكمه بإيجاب الحجة على خلقه كما قال : (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ)(١) ، أغشى أبصارهم ، وجعل على قلوبهم أكنّة عن تأمل ذلك ، فتركوه بحاله ، وحجبوا عن تأكيده الملتبس بإبطاله ، فالسعداء يتثبتون عليه ، والأشقياء يعمون عنه (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ)(٢).
ثم إن الله جل ذكره لسعة رحمته ، ورأفته بخلقه وعلمه بما يحدثه المبدلون من تغيير كتابه ، قسم كلامه ثلاثة أقسام : فجعل قسما يعرفه العالم والجاهل ، وقسما لا يعرفه إلا من صفا ذهنه ولطف حسه ، وصح تمييزه ممن شرح الله صدره للإسلام ، وقسما لا يعرفه إلا الله وأمناؤه والراسخون في العلم ، وإنما فعل الله ذلك لئلا يدّعي أهل الباطل من المستولين على ميراث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من علم الكتاب ما لم يجعله الله لهم ، وليقودهم الاضطرار إلى الائتمار بمن ولاه أمرهم ، فاستكبروا عن طاعته تعززا وافتراء على الله عزوجل ، واغترارا بكثرة من ظاهرهم وعاونهم وعاند الله عزّ اسمه ورسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
فأما ما علمه الجاهل والعالم من فضل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من كتاب الله ، فهو قول الله سبحانه : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) ، وقوله : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)(٣) ، ولهذه الآية ظاهر وباطن ، فالظاهر : قوله : (صَلُّوا عَلَيْهِ) ، والباطن : قوله : (وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) أي سلموا لمن وصّاه واستخلفه وفضله عليكم ، وما عهد به إليه تسليما ، وهذا مما أخبرتك أنه لا يعلم تأويله إلا من لطف حسه ، وصفا
__________________
(١) الأنعام : ١٤٩.
(٢) النور : ٤٠.
(٣) الأحزاب : ٥٦.