وكان هذا التهاون في دراسة الفقه والترك لمنابعه الأصيلة ، واعتماد كتب انقطعت سلسلة الرواية لها ، من عوامل تأخّر علم الفقه.
لقد فتح هذا التهاون بابا واسعا من الشرّ ، حتى حمل التلمساني والمقري من فقهاء المالكية على القول بأنّ كثرة التأليف قد أفسدت الفقه ، لأنّ الرواية قد تركت وانقطعت سلسلة الاتّصال ، فكثر التصحيف ، ونقلت الأحكام من كتب لا يدرى ما زيد فيها وما نقص ، وقد كان أهل المائة السادسة وصدر من السابعة لا يجوّزون الفتيا من كتاب « التبصرة » للّخمي ، لأنّها لم تصحح على مؤلّفها ولم تؤخذ عنه ، وأكثر الناس اليوم لا يسيرون على هذا النمط ، ولهذا كان التأليف سببا لفساد الفقه (١).
المدارس وأثرها :
كانت الدراسة الدينيّة عموما من مهام المساجد وبيوت العلماء ، وقد استمرت على ذلك عدّة قرون.
وكان هذا من الأمور التي تفسح بعض الحرّية أمام الأساتذة والطلاب في البحث والنقد والتحليل.
ثمّ كانت أوّل مدرسة هي المدرسة النظاميّة التي أنشأها الوزير نظام الملك بنيسابور ، ثم توالى إنشاء المدارس النظاميّة في بغداد ودمشق وغيرهما من البلاد.
وكثر إنشاء المدارس في عهد الأيوبيين والمماليك في بلاد مصر والشام وما والاها ، كما كثرت في عهد الأتراك العثمانيين ، وكان من أشهرها مدارس الأستانة الثمان (٢).
وكانت المدارس تقبل من يخضع لقوانينها ، وتترك الفضلاء الذين همّهم حرّية الدرس والبحث (٣).
__________________
(١) موسوعة جمال ١ : ٥١.
(٢) انظر موسوعة جمال : ٤٠.
(٣) يلاحظ أن المدارس الشيعية لم تخضع لنظام الحاكم يوما ما على طول تاريخها من صدر الإسلام إلى الآن ، فكانت حرّة في البحث والدرس واستمر الاجتهاد إلى يوم الناس هذا.