الآية الأخرى (١) ( غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ ) من الباغي والعادي ، للاتفاق ظاهرا على تفسير المتجانف للإثم بالميل إلى أكل الميتة استحلالا أو اقترافا للإثم ، بخلاف البغي والعدوان الذي قد عرفت الاختلاف في تفسيرهما وإن كان منه ما ينطبق على ما ذكرنا.
ومنه يظهر رجحان ذلك على احتمال العكس ، بأن يراد بالمتجانف للإثم خصوص الباغي والعادي ، وحينئذ فيكون المراد الرخصة للمضطر من حيث كونه كذلك ، لا المتناول لها القادم على الإثم في ذلك أو المستحل لها ، فإنه لا رخصة لهما ولو في حال الاضطرار ، ضرورة عدم كون الباعث لهما الاضطرار بل البغي والعدوان ، أي التجانف للإثم في أكل الميتة حال الاختيار ، بل في الحقيقة لا اضطرار بالنسبة إليه ، ضرورة عدم حالة امتناع له حتى يكون ما فيه من الحال حال اضطرار له ، إذ المنساق من قوله (٢) ( فَمَنِ اضْطُرَّ ) الرخصة للممتنع حال الاختيار إن اتفق اضطراره.
وحينئذ فقوله ( غَيْرَ مُتَجانِفٍ ) كالحال المؤكدة والكاشفة ، وكذا قوله ( غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ ) بناء على إرادة معنى غير المتجانف للإثم منهما ، ولا ينافي ذلك النصوص المزبورة التي لم تثبت حجيتها ، ومع التسليم يكون ما فيها أمر آخر (٣) تنتفي الرخصة فيه أيضا مضافا إلى ذلك.
وحينئذ فالمتجه بناء على الأول الرخصة للممتنع عنها اختيارا إذا اضطر إليها ولو كان باغيا أو قاطعا للطريق كما عن أبي حنيفة ، لإطلاق
_________________
(١) سورة المائدة : ٥ ـ الآية ٣.
(٢) سورة البقرة : ٢ ـ الآية ١٧٣.
(٣) هكذا في النسختين الأصليتين ، والصحيح « يكون ما فيها أمرا آخر ».