كما يجد فيها طلبة الجامعات والشباب مادة التاريخ القديمة بلغة حديثة تتناسب مع روح العصر تجيب على تساؤلاتهم الفكرية والسياسية والادبية وهم يواصلون دراستهم وتنمية مواهبهم في مضمار الادب واللغة والتاريخ.
أما الناقد الادبي لقوافل النور فانه يقف امام رؤية تاريخية شاملة لمراحل ومحطات ذات احداث معقدة ومواقف متشابكة يكتشف من خلالها الرؤية الادبية ، والخلفية الثقافية ، وملامح المنهج الذي يسلكه الشاعر ، كما يكتشف الصور الموحية التي تكمن وراء مفردات قاموسه اللغوي.
لقد بدأت نظم هذه الملحمة في خضم معاناة الجهاد الفكري والسياسي ، في منافي الهجرة التي قاربت ربع قرنٍ من الزمن المثقل بالهموم والآمال المتطلعة للعودة ، والمساهمة في بناء ما هدمته الحقبة السوداء من حكم الطاغية العراق.
ورغم ان الذاكرة كانت في الوطن كنت انتهز آنذاك اية فرصة لنظم الابيات ، ومراجعة التاريخ ، وضبط النصوص والروايات ، وكثيراً ما كنت استثمر ساعات السفر الطويلة لمواصلة النظم ، وكتابة الهوامش والملاحظات ، وتقويم الشعر ، واختيار المفردات المناسبة ، حتى اكملت ـ بعون الله ـ الاجزاء السبعة من هذه الملحمة المباركة.
وحين دخلت بغداد بعد سقوط الصنم فيها ، في ٩ نيسان ٢٠٠٣ وتنسمت عبيرها العابق بأشذاء الشهداء الابرار ، حسبت ان علاقتي بالشعر قد توقفت ، حيث رأيت نفسي مستغرقاً في عالم جديد ، وتجربة جديدة ، هي تأسيس وبناء ديوان الوقف الشيعي ومؤسساته ، وهو عالم جديد وواسع ، ومعقد ، الا انه ممتع.
ورغم اني لا امتلك حينئذٍ الوقت ، بل وحتى التفكير في « قوافل النور » ثانية بسبب غمرة العمل ، والانغماس في تفاصيله ليلاً ونهاراً ، لكن بفضل الله تعالى ، وأتماماً للعهد الذي قطعته على نفسي ، صممت وبقوة ان أواصل الملحمة المباركة من جديد ، وان انتزع نفسي من بحبوحة هموم العمل المضني ، لابحر ثانية ، في عالم الشعر لاتمام ما بدأت به في ليالي الغربة.