فكان إذا فرغ من مطالعة دروسه ينام ويبقى هو مشغولاً بشغله فكثيراً ما كان رحمهالله يلتفت إليه ويقول : ما هذا التعشّق للنوم انّه ليكفيني منه هكذا ، ثمّ يضع رأسه بين ركبتيه وينام من حينه سِنة ولا يكاد يلتذّ بنومه هذا حتّى يستيقظ فيرجع إلى اشتغاله بالكتابة والمطالعة.
وحكي عن ابنته هذه : انّه ربّما كان يوقظ سبطه المذكور للنافلة ولكن لم نجده يقوم للنافلة بنفسه وكان ذلك منه حرصاً على اشتغاله.
وممّا يؤيّد ذلك ما كتبه في آخر مجلّد الإقرار من مفتاح الكرامة فقال : كتبت في شهر رمضان من هذه السنة ثمانية أجزاء أو تسعة أجزاء أو عشرة أجزاء مع هذا التتبّع والاستيفاء وذلك انّي تركت له سائر الأعمال الّتي يعملها العاملون في شهر رمضان إلّا ما قلّ جدّاً مؤثراً للتحصيل والاشتغال على جميع أعمال شهر رمضان.
وممّا يدل على ذلك انّه رحمهالله صنّف وألّف جملة من مصنفاته في أيّام محاصرة الخارجي سعود بن عبد العزيز الوهابي لبلدة النجف الأشرف ومن تلك المصنّفات جملة من مجلدات هذا الكتاب ، مع أنّه كان يجالس مع العلماء لإعمال الحيلة فيما يخلصهم من هذه العويصة وربّما كان مع جملة منهم يمرّ على الحفظة والحرس ويحرضهم على الجهاد والمدافعة عن تلك البلدة المشرّفة.
فإذا انتهى الكلام إلى هذا المقام فجدير أن نذكر بعض ما أوصى به هذا السيّد في آخر كتاب الإقرار اخوانه في التحصيل والتحقيق ، فقال بعد ما أوصى به من الجدّ والسعي في التحقيق ودوام التحصيل : واوصي إخواني أن لا يغادروا من أوقاتهم في غير التحصيل وبالزهد في هذه الدنيا فإنّ الميل إليها آفة التحصيل انتهى. وأنا أقول : ولله درّه فقد أصاب في الكلام وأجاد في المرام بل الواقع هو أنّه لا آفة للتحصيل أضرّ وأمنع من الميل إلى الدنيا فضلاً عن الخوض فيها والتلوّث بلوثها والتسكر من سكرها.
هذا بعض ما طلع علينا من أطراف حياة مؤلّف هذا الكتاب من زوايا تاريخ حياته المشرقة وجهوده المشكورة. ولعلّ للقارئ الكريم في هذا المقدار تنبّه