فأجابه أبو جعفر بما نصّه : سيدي الذي أكبر قدره ، وأجلّ ذكره (١) ، وأجزل شكره ، وصل جوابك الذي لو كان لك من الذنب ما تحمّله ابن ملجم (٢) ، لأضربت لك عنه صفحا ، ونسيت بما تأخّر ما تقدّم ، ومعاذ الله أن أنسب لفضلك عيبا ، فأذمّ لك حضورا أو غيبا ، وإنما قصدت بالمعاتبة ، ما تحتها من المطارحة والمداعبة ، على أنّ سيدي لو تيقّنت أنه ظالم لأنشدت : [السريع]
منذ غدا طرفك لي ظالما |
|
آليت لا أدعو على ظالم (٣) |
لكنني أتيقّن خلاف ذلك ، وأعلم حتى كأني حاضر ما كان هنالك ، وقد أطلت عليك ، وبعد هذا فلتعتمد على أن تصل إلي أو أصل إليك ، فهذا يوم كما قال البستي (٤) : [الكامل]
يوم له فضل على الأيام |
|
مزج السحاب ضياءه بظلام |
فالبرق يخفق مثل قلب هائم |
|
والغيم يبكي مثل جفن هام |
فاختر لنفسك أربعا هنّ المنى |
|
وبهنّ تصفو لذة الأيام |
وجه الحبيب ومنزلا مستشرفا |
|
ومغنّيا غردا وكأس مدام (٥) |
وقد حضرت عند محبك الثلاثة فكن رابعها ، ونادت بك همم الأماني فكن بفضلك سامعها ، ومركز أفلاك هذه المسرّة حيت كتب هذه الرقعة إلى مجدك منزه مطلّ على جزيرة شنتبوس لا أزال أترنّم فيه بقول ابن وكيع : [المنسرح]
قم فاسقني والخليج مضطرب |
|
والريح تثني ذوائب القضب |
كأنها والرياح تعطفها |
|
صفّ قنا سندسيّة العذب |
والجوّ في حلّة ممسّكة |
|
قد طرّزتها البروق بالذهب |
فإن كان سيدي في مثل هذا المكان ، جرينا إليه جري الحلبة لخصل الرهان ، وإن كان في كسر بيته فليبادر إلى محل تقصر عنه همّة قيصر وكسرى ، وإن أبطأ فإنّ الرقاع بالاستدعاء لا تزال عليه تترى ، وإن كان لا يجدي هذا الكلام ، فما نقنع من العقوبة المؤلمة بالملام ، وعلى المودّة المرعية الداعية أكمل ما يكون من السلام.
__________________
(١) في ه : «وأجمل ذكره».
(٢) ابن ملجم : هو عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله الذي قتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(٣) آليت : حلفت.
(٤) انظر اليتيمة ج ٤ ص ٣٠٤.
(٥) في ب : «ومنظرا مستشرقا».