فعندما قرأ الرقعة ركب إليه زورقا وصنع هذه الأبيات في طريقه ، فعند وصوله ينشده إيّاها : [الطويل]
ركبت إليك النهر يا بحر فالقنا |
|
بما يتلقّى جوده كلّ قادم |
بفيض ولكن من مدام ، وهزّة |
|
ولكن إلى بذل الندى والمكارم |
وكنّا نسمّي قبل كونك حاتما |
|
ومذ لحت فينا لم نعد ذكر حاتم |
بآل سعيد يفخر السعد والعلا |
|
فأيديهم تلغي أيادي الغمائم |
فامتلأ أبو جعفر سرورا ، وخلع عليه ما كان عنده هنالك ، ووعده بغير ذلك ، فأطرق لينظم شيئا في شكره ، فأقسم عليه أن لا يشغل خاطره في ذلك الوقت عن الارتياح ، وحثّ أكؤس الراح ، فأقبلوا على شأنهم ، وكان ابن سيد في ذلك الحين متسترا بشرب الراح ، وكان عند أبي جعفر خديم كثير النادر والالتفات ، يخاف أهل التستّر من مثله ، فقال ابن سيد : هات دواة وقرطاسا ، فأعطاه ذلك ، فكتب : [مخلع البسيط]
يا سيدي ، قد علمت أني |
|
بهذه الحال لا أظاهر |
أخشى أناسا لهم عيون |
|
نواظر منّي المعاير (١) |
أحذرهم طاقتي وإني |
|
وثقت بالله فهو غافر |
ولا تقس حالتي بحال |
|
منك اعتذار فالفرق ظاهر |
فأنت إن كنت ذا جهار |
|
غير مبال فالجاه ساتر |
لا تخش من قول ذي اعتراض |
|
ولا حسود عليك قادر |
وإنني قد رأيت ممّن |
|
يكثّر القول وهو ساخر |
ما قد أراب العفيف منه |
|
ضحكك وظنّ به يجاهر |
أخشى إذا قيل كيف كنتم |
|
قال بحال تسرّ ناظر |
واللصّ ما بيننا صريعا |
|
بكلّ كأس عليه دائر |
مطرحا للصلاة يصغي |
|
لصولة الدف والمزمار |
فأغتدي سيدي مشارا |
|
إليّ مهما مررت خاطر |
وإن أتيت الملوك أبغي |
|
نوالهم قيل أيّ شاعر |
__________________
(١) أراد أنهم يترصّدون سقطاته ومعايبه.