وكتب في أثناء الكلام بعد (١) الشعر : وكنت ربما حثثتني على أن أنبّهك على ما أجد فيه عليك نقدا ، وإني انتقدت عليك قولك :
سقى الله أرضا قد غدت لك منزلا
فإنّ ذا الرمة قد انتقد عليه قوله مع تقديم الدعاء بالسلامة : [الطويل]
ألا يا اسلمي يا دار ميّ على البلى |
|
ولا زال منهلّا بجرعائك القطر (٢) |
إذ هو (٣) أشبه بالدعاء على المحبوب من الدعاء له ، وأمّا المستحسن فقول الآخر : [الكامل]
فسقى ديارك غير مفسدها |
|
صوب الربيع وديمة تهمي (٤) |
وبسببها خاطب ابن عبدوس بالرسالة المشهورة التي شرحها غير واحد من أدباء المشارقة كالجمال بن نباتة والصفدي (٥) وغيرهما ، وفيها من التلميحات والتنديرات ما لا مزيد عليه.
وقد ذكر ولّادة ابن بشكوال في «الصّلة» فقال : كانت أديبة ، شاعرة ، جزلة القول ، حسنة الشعر ، وكانت تناضل الشعراء ، وتساجل الأدباء ، وتفوق البرعاء. وعمرت عمرا طويلا ، ولم تتزوّج قطّ ، وماتت لليلتين خلتا من صفر سنة ثمانين ، وقيل : أربع وثمانين وأربعمائة ، رحمها الله تعالى.
وكان أبوها المستكفي بايعه أهل قرطبة لمّا خلعوا المستظهر ، كما ألمعنا به في غير هذا الموضع ، وكان خاملا (٦) ساقطا ، وخرجت هي في نهاية من الأدب والظرف : حضور شاهد ، وحرارة أوابد ، وحسن منظر ومخبر ، وحلاوة مورد ومصدر ، وكان مجلسها بقرطبة منتدى لأحرار المصر ، وفناؤها ملعبا لجياد النظم والنثر ، يعشو أهل الأدب إلى ضوء غرّتها ، ويتهالك أفراد الشعراء والكتّاب على حلاوة عشرتها ، وعلى سهولة حجابها ، وكثرة منتابها ، تخلط ذلك بعلو نصاب ، وكرم أنساب ، وطهارة أثواب ، على أنها أوجدت للقول فيها السبيل بقلّة مبالاتها ،
__________________
(١) في ه : «في أثناء كلام بعد الشعر».
(٢) القطر : المطر.
(٣) في ه : «إذ هذا».
(٤) الديمة : مطر يتساقط بلا رعد ولا برق.
(٥) في الكلام هنا خطأ. إذ إن ابن نباتة هو الذي شرح الرسالة الموجهة إلى ابن عبدوس وهي المعروفة بالرسالة الهزلية. أما الصفدي فقد شرح الرسالة الجدية.
(٦) في ب ، ه : «وكان جاهلا ساقطا ، وخرجت هي على نهاية في الأدب».