ومجاهرتها بلذاتها ، ولمّا مرّت بالوزير أبي عامر بن عبدوس وأمام داره بركة تتولّد عن كثرة الأمطار ، وربما استمدّت بشيء ممّا هنالك من الأقذار ، وقد نشر أبو عامر كمّيه ، ونظر في عطفيه ، وحشر أعوانه إليه ، فقالت له : [الكامل]
أنت الخصيب وهذه مصر |
|
فتدفّقا فكلا كما بحر |
فتركته لا يحير حرفا ، ولا يردّ طرفا.
وقال في «المغرب» بعد ذكره : إنها بالغرب كعلية بالشرق (١) : إلّا أنّ هذه تزيد بمزية الحسن الفائق ، وأمّا الأدب والشعر والنادر وخفّة الروح فلم تكن تقصر عنها ، وكان لها صنعة في الغناء ، وكان لها مجلس يغشاه أدباء قرطبة وظرفاؤها فيمرّ فيه من النادر وإنشاد الشعر كثير لما أقتضاه عصرها من مثل ذلك ، وفيها يقول ابن زيدون : [البسيط]
بنتم وبنّا فما ابتلّت جوانحنا |
|
شوقا إليكم ولا جفّت مآقينا |
وقال أيضا يخاطب ابن عبدوس لاشتراكه معه في هواها : [المتقارب]
أثرت هزبر الشّرى إذ ربض |
|
ونبّهته إذ هدا فاغتمض (٢) |
وما زلت تبسط مسترسلا |
|
إليه يد البغي لمّا انقبض |
حذار حذار ، فإنّ الكريم |
|
إذا سيم خسفا أبى فامتعض |
وإنّ سكون الشجاع النّهو |
|
س ليس بمانعه أن يعض (٣) |
عمدت لشعري ولم تتّئد |
|
تعارض جوهره بالعرض |
أضاقت أساليب هذا القري |
|
ض أم قد عفا رسمه فانقرض |
لعمري ، فوقت سهم النضال |
|
وأرسلته ، لو أصبت الغرض |
ومنها :
وغرّك من عهد ولّادة |
|
سراب تراءى وبرق ومض |
هي الما يعزّ على قابض |
|
ويمنع زبدته من مخض (٤) |
__________________
(١) علية : هي بنت المهدي العباسي.
(٢) الهزبر : الأسد. وهدا : هدأ.
(٣) في ج : «الشجاع النهوض». والشجاع : نوع من الحيات ، ونهسته الحية : نهشته.
والنهوس صيغة مبالغة من اسم الفاعل ناهس.
(٤) هي الما : هي الماء.