فنزل عدوته ، وحلّ للحزم حبوته ، وتدارك داءه قبل إعضاله ، ونازله وما أعدّ آلات نضاله ، وانحشدت إليه الجيوش من كل قطر ، وأفرغ من مسالكه كلّ قطر ، فبقي محصورا لا يشدّ إليه إلّا سهم ، ولا ينفذ عنه إلّا نفس أو وهم ، وامتسك شهورا حتى عرضه أحد الرماة بسهم فرماه ، فأصماه ، فهوى في مطلعه ، وخرّ قتيلا في موضعه ، فدفن إلى جانب سريره ، وأمن عاقبة تغريره ، وبقي أهله ممتنعين مع طائفة من وزرائه حتى اشتدّ عليهم الحصر ، وارتدّ عنهم النصر ، وعمّهم الجوع ، وأغبّ أجفانهم الهجوع (١) فنزلت منهم طائفة متهافتة ، وولّت بأنفاس خافتة ، فتبعهم من بقي ، ورغب في التنعم من شقي ، فوصلوا إلى قبضة الملمات ، وحصلوا في غصّة الممات ، فوسمهم الحيف ، وتقسّمهم السيف ، ولمّا زأر الشّبل خيفت سورة الأسد ، ولم يرج صلاح الكلّ والبعض قد فسد ، فاعتقل المعتمد خلال تلك الحال وأثناءها ، وأحلّ ساحة الخطوب وفناءها ، وحين أركبوه أساودا ، وأورثوه حزنا بات له معاودا ، قال : [الكامل]
غنّتك أغماتية الألحان |
|
ثقلت على الأرواح والأبدان |
قد كان كالثعبان رمحك في الورى |
|
فغدا عليك القيد كالثعبان (٢) |
متمرّدا يحميك كلّ تمرّد |
|
متعطّفا لا رحمة للعاني (٣) |
قلبي إلى الرحمن يشكو بثّه |
|
ما خاب من يشكو إلى الرحمن |
يا سائلا عن شأنه ومكانه |
|
ما كان أغنى شأنه عن شان |
هاتيك قينته وذلك قصره |
|
من بعد أيّ مقاصر وقيان |
ولما فقد من كان (٤) يجالسه ، وبعد عنه من كان يؤانسه ، وتمادى كربه ، ولم تسالمه حربه ، قال : [الطويل]
تؤمّل للنفس الشجية فرجة |
|
وتأبى الخطوب السود إلّا تماديا |
لياليك في زاهيك أصفى صحبتها |
|
كذا صحبت قبلي الملوك اللياليا |
نعيم وبؤس ذا لذلك ناسخ |
|
وبعد هما نسخ المنايا الأمانيا |
ولمّا امتدت في الثّقاف مدته ، واشتدّت عليه قسوة الكبل وشدّته ، وأقلقته همومه ، وأطبقته غمومه ، وتوالت عليه الشجون ، وطالت لياليه الجون ، قال : [البسيط]
__________________
(١) أغب أجفانهم الهجوع : أي زارهم يوما وتركهم يوما.
(٢) في ج : «قد كان كالثعبان قيدك في الورى».
(٣) في ج ، ونسخة عند ه : «متمددا بجذاك كل تمدد» وليس بشيء.
(٤) كلمة «كان» ساقطة من ب.