فأسرح لا شملي صديع ولا الحشا |
|
وجيع ولا عيناي يبكيهما ثكل |
هنيئا لها إذ لم يفرّق جميعها |
|
ولا ذاق منها البعد عن أهلها أهل (١) |
|
||
وإذ لم تبت مثلي تطير قلوبها |
|
إذا اهتزّ باب السجن أو صلصل القفل |
وما ذاك ممّا يعتريه ، وإنما |
|
وصفت التي في جبلة الخلق من قبل |
لنفسي إلى لقيا الحمام تشوّف |
|
سواي يحبّ العيش في ساقه حجل (٢) |
ألا عصم الله القطا في فراخها |
|
فإنّ فراخي خانها الماء والظّلّ |
وفي هذه الحالة زاره الأديب أبو بكر بن اللّبّانة ، وهو أحد شعراء دولته المرتضين دررها ، المنتجعين دررها ، وكان المعتمد رحمه الله تعالى يميزه بالشفوف والإحسان ، ويجوّزه على فرسان هذا الشأن ، فلمّا رآه وحلقات الكبل قد عضّت بساقيه عضّ الأسود ، والتوت عليه التواء الأساود السود ، وهو لا يطيق إعمال قدم ، ولا يريق دمعا إلّا ممزوجا بدم ، بعد ما عهده فوق منبر وسرير ، ووسط جنّة وحرير ، وتخفق عليه الألوية ، وتشرق منه الأندية ، وتكف الأمطار من راحته ، وتشرف الأقدار (٣) بحلول ساحته ، ويرتاع الدهر من أوامره ونواهيه ، ويقصر النّسر أن يقارنه أو يضاهيه ، ندبه بكل مقال يلهب الأكباد ، ويثير فيها لوعة الحارث بن عبّاد (٤) ، أبدع من أناشيد معبد (٥) ، وأصدع للكبد من مراثي أربد (٦) ، أو بكاء ذي الرمة بالمربد (٧) ، سلك فيها للاحتفاء طريقا لاحبا ، وغدا فيها لذيول الوفاء ساحبا ، فمن ذلك قوله : [البسيط]
انفض يديك من الدنيا وساكنها |
|
فالأرض قد أقفرت والناس قد ماتوا |
وقل لعالمها السفليّ قد كتمت |
|
سريرة العالم العلويّ أغمات |
طوت مظلّتها لا بل مذلّتها |
|
من لم تزل فوقه للعزّ رايات |
__________________
(١) في ب ، ه : «هنيئا لها أن لم يفرق جميعها».
(٢) في ب : «في ساقه كبل».
(٣) في ه : «وتشرق الأقدار».
(٤) الحارث بن عباد : هو فارس النعامة الذي اعتزل حرب البسوس إلى أن قتل المهلهل ابنه فاستشاط غضبا واقتحم الحرب.
(٥) معبد : مغنّ مشهور.
(٦) أربد : أخو لبيد بن ربيعة. اجتاحته صاعقة فبكاه لبيد في مرات كثيرة.
(٧) المربد : مكان بالبصرة كان الشعراء ينشدون فيه أشعارهم.