رابطة لم يكن للوازمها مرتبطا ، ولا بسكناها مغتبطا ، سماها بالعقيق وسمى فتى كان يتعشقه بالحمى ، وكان لا يتصرف إلا في صفاته ، ولا يقف إلا بعرفانه ، ولا يؤرقه إلا جواه ، ولا يشوقه (١) إلا هواه ، فإذا بأحد دعاة حبيبه ، ورواة تشبيبه ، قال له : كنت البارحة بحماه ، وذكر له خبرا ورّى به عني وعمّاه ، فقال : [الوافر]
تنفّس بالحمى مطلول أرض |
|
فأودع نشره نشرا شمالا (٢) |
فصبّحت العيون إليّ كسلى |
|
تجرّر فيه أردانا خضالا |
أقول وقد شممت التّرب مسكا |
|
بنفحتها يمينا أو شمالا |
نسيم جاء يبعث منك طيبا |
|
ويشكو من محبّتك اعتلالا |
ولما تقرر عند ناصر الدولة من أمره ما تقرر ، وتردد على سمعه انتهاكه وتكرر ، أخرجه من بلده ونفاه ، وطمس رسم فسقه وعفاه ، فأقلع إلى المشرق وهو جار ، فلما صار من ميورقة على ثلاثة بحار (٣) ، نشأت له ريح صرفته عن وجهته ، إلى فقد مهجته ، فلما لحق بميورقة أراد ناصر الدولة إماحته (٤) ، وأخذ ثار الدين منه وإراحته ، ثم آثر صفحه ، وأخمد ذلك الجمر ولفحه ، وأقام أياما ينتظر ريحا علها تزجيه ، ويستهديها لتخلصه وتنجيه ، وفي أثناء بلوته ، لم يتجاسر أحد على إتيانه من إخوته ، فقال يخاطبهم : [الوافر]
أحبّتنا الألى عتبوا علينا |
|
فأقصرنا وقد أزف الوداع |
لقد كنتم لنا جذلا وأنسا |
|
فهل في العيش بعدكم انتفاع؟ |
أقول وقد صدرنا بعد يوم |
|
أشوق بالسّفينة أم نزاع |
إذا طارت بنا حامت عليكم |
|
كأنّ قلوبنا فيها شراع |
وله يتغزل : [الوافر]
بني العرب الصّميم ألا رعيتم |
|
مآثركم بآثار السّماح |
رفعتم ناركم فعشا إليها |
|
بوهن فارس الحيّ الوقاح |
فهل في القعب فضل تنضحوه |
|
به من مخض ألبان اللّقاح (٥) |
__________________
(١) في أصل ه «ولا يشرقه».
(٢) في ه «مطول روضى». وفيها «فأودع رسمه ريحا شمالا».
(٣) في ب ، ه «على ثلاثة مجار». وفي ب «فلما صار من ميورقة على ثلاثة مجار ...».
(٤) في أصل ه «إباحته».
(٥) في ه «فهل في العقب» وفيها «ومن محض ألبان اللقاح».