لا غرو أن زاد في وجدي مرورهم |
|
فرؤية الماء تذكي غلّة الصّادي |
ولما وصل المعتمد (١) لورقة أعلم أن العدو قد جيش لها واحتشد ، ونهد نحوها وقصد ، ليتركها خاوية على عروشها ، طاوية الجوانح على وحوشها ، فتعرض له المعتمد دون بغيته ، وطلع عليه من ثنيّته ، وأمر الراضي بالخروج إليه في عسكر جرّده لمحاربته ، وأعده لمصادمته ، ومضاربته ، فأظهر التمرض والتشكي (٢) ، وأضمر التقاعس والتلكي ، فرارا من المصادمة ، وإحجاما عن المساومة (٣) ، وجزعا من منازلة الأقران ، ومقابلة ذوابل المرّان ، ومقاساة الطعان ، وملاقاة أبطال كالرّعان ، ورأى أن المطالعة ، أرجح من المقارعة ، ومعاناة العلوم ، أربح من مداواة الكلوم (٤) ، فقد كان عاكفا على تلاوة ديوان ، عارفا بإجادة صدر وعنوان ، فعلم المعتمد ما نواه ، وتحقق ما لواه ، فأعرض عنه ، ونفض يده منه ، ووجه المعتدّ (٥) مع ذلك الجيش الذي لم تنشر بنوده ، ولا نصرت جنوده ، فعندما لاقوا العدو لاذوا بالفرار ، وعاذوا بإعطاء الغرة بدلا من الغرار ، وتفرقوا في تلك الأماريت (٦) ، وفرقوا من تخطف أولئك العفاريت ، فتحيف العدوّ من بقي مع المعتد واهتضمه ، وخضم ما في العسكر وقضمه ، وغدت مضاربه مجرّ عواليه ، ومجرى مذاكيه ، وآب أخسر من بائع السّدانة (٧) ، ومضيع الأمانة ، فانطبقت سماء المعتمد على أرضه ، وشغلته عن إقامة نوافله وفرضه ، فكتب إليه الراضي : [البسيط]
لا يكر ثنّك خطب الحادث الجاري |
|
فما عليك بذاك الخطب من عار |
ما ذا على ضيغم أمضى عزيمته |
|
إن خانه حدّ أنياب وأظفار (٨) |
لئن أتوك فمن جبن ومن خور |
|
قد ينهض العير نحو الضّيغم الضّاري (٩) |
عليك للنّاس أن تبقى لنصرتهم |
|
وما عليك لهم إسعاد أقدار |
لو يعلم الناس فيما أن تدوم لهم |
|
بكوا لأنّك من ثوب الصّبا عاري |
__________________
(١) في ب ، ه «ولما وصل العدو» محرفا.
(٢) في ب ، ه «فأظهر التمارض والتشكي».
(٣) في ه «فرارا من المصادرة ، وإحجاما عن المساورة».
(٤) الكلوم : الجروح.
(٥) في ج «وتوجه المعتد».
(٦) الأماريت : الأراضي المنبسطة.
(٧) بائع السدانة : هو أبو غبشان الذي باع سدانة الكعبة لقصي بن كلاب.
(٨) الضيغم : الأسد.
(٩) الخور : الضعف ، والعير : الحمار.