ومقامكم الأبوي هو المستند الأقوى ، والمورد الذي ترده آمال الإسلام فتروى ، وتهوي إليه أفئدتهم فتجد ما تهوى (١) ، ومثابتكم العدّة التي تأسست مبانيها على البر والتقوى ، وإلى هذا وصل الله تعالى سعدكم ، وأبقى مجدكم ، فإننا لما نعلم من مساهمة مجدكم التي تقتضيها كرام الطباع وطباع الكرم ، وتدعو إليها ذمم الرعي ورعي الذمم ، نعرفكم بعد الدعاء لملككم بدفاع الله تعالى عن ارتقائه ، وإمتاع المسلمين ببقائه ، بما كان من وفاة مولانا الوالد نفعه الله تعالى بالشهادة (٢) ، التي ألبسه حلتها ، والشهادة التي في أعماله الزكية كتبها ، والدرجة العالية التي حتمها (٣) له وأوجبها ، وبما تصير إلينا من أمره ، وضم بنا من نشره ، وسدل على من خلفه من ستره ، وإنها لعبرة لمن ألقى السمع ، وموعظة تهز الجمع وترسل الدمع ، وحادثة أجمل الله سبحانه فيها الدفع ، وشرح مجملها وإن أخرس اللسان هولها ، وأسلم العبارة قوتها وحولها ، أنه رضي الله تعالى عنه لما برز لإقامة سنة هذا العيد ، مستشعرا شعار كلمة التوحيد ، مظهرا سمة الخضوع (٤) للمولى الذي تضرع بين يديه رقاب العبيد ، آمنا بين قومه وأهله ، متسربلا في حلل نعم الله تعالى وفضله ، قرير العين باكتمال عزه واجتماع شمله ، قد احترس بأقصى استطاعته ، واستظهر بخلصان طاعته ، والأجل المكتوب قد حضر ، والإرادة الإلهية قد أنفذت القضاء والقدر ، وسجد بعد الركعة الثانية من صلاته ، أتاه أمر الله لميقاته ، على حين الشباب غضّ جلبابه (٥) ، والسلاح زاخر عبابه ، والدين بهذا القطر قد أينع بالأمن جنابه ، وأمر من يقول للشيء كن فيكون قد بلغ كتابه ، ولم يرعه وقد اطمأنت بذكر الله تعالى القلوب ، وخلصت الرغبات إلى فضله المطلوب ، إلّا شقي قيضه الله لسعادته غير معروف ولا منسوب ، وخبيث لم يكن بمعتبر ولا محسوب ، تخلّل الصفوف المعقودة ، وتجاوز الأبواب المسدودة ، وخاض الجموع المشهودة ، والأمم المحشورة (٦) إلى طاعة الله المحشودة ، لا تدل العين عليه شارة ولا بزّة ، ولا تحمل على الحذر من مثله أنفة ولا عزة ، وإنما هو خبيث ممرور ، وكلب عقور ، وحية سمها وحيّ (٧) محذور ، وآلة مصرّفة لينفذ بها قدر مقدور ، فلما طعنه وأثبته ، وأعلق به
__________________
(١) تهوي إليه أفئدتهم : تسير. وتجد ما تهوى : تجد ما تحب.
(٢) في ب «نفعه الله بالسعادة».
(٣) حتمها : أوجبها.
(٤) سمة الخضوع : علامته.
(٥) في ه «على غض الشباب عض جلبابه». تحريف. وقد أثبتنا ما في بقية النسخ وهو الصواب.
(٦) في نسخة عند ه «والجموع المحشورة».
(٧) سم وحي : سريع الفتك.