شرك الحين (١) فما أفلته ، قبض عليه من الخلصان الأولياء من خبر ضميره ، وأحكم تقريره ، فلم يجب عند الاستفهام جوابا يعقل ، ولا عثر منه على شيء عنه ينقل ، لطفا من الله أفاد براءة الذمم ، وتعاورته للحين أيدي التمزيق ، وأتبع شلوه بالتحريق ، واحتمل مولانا الوالد رحمه الله تعالى إلى القصر وبه ذماء (٢) لم يلبث بعد الفتكة العمرية إلا أيسر من اليسير ، وتخلف الملك ينظر من الطّرف الحسير ، وينهض بالجناح الكسير ، وقد عاد جمع السلامة إلى التكسير ، إلا أن الله تعالى تدارك هذا القطر الغريب بأن أقامنا مقامه لوقته وحينه ، ورفع بناء عماد ملكه ولم شعث دينه ، وكان جميع من حضر المشهد من شريف الناس ومشروفهم ، وأعلامهم ولفيفهم ، قد جمعه ذلك الميقات ، وحضر الأولياء الثقات ، فلم تختلف علينا كلمة ، ولا شذت منهم عن بيعتنا نفس مسلمة ، ولا أخيف بريّ ، ولا حذر جريّ ، ولا فري فريّ ، ولا وقع لبس ، ولا استوحشت نفس ، ولا نبض للفتنة عرق ، ولا أغفل للدين حق ، فاستند (٣) النقل إلى نصه ، ولم يعدم من فقيدنا غير شخصه ، وبادرنا إلى مخاطبة البلاد نمهدها ونسكنها ، ونقرر الطاعة في النفوس ونمكنها ، وأمرنا الناس بها بكف الأيدي ، ورفع التعدّي ، والعمل من حفظ شروط المسالمة المعقودة بما يجدي ، ومن شره منهم للفرار (٤) ، وعاجلناه بالإنكار ، وصرفنا على النصارى ما أوصاه مصحبا بالاعتذار ، وخاطبنا صاحب قشتالة نرى ما عنده في صلة السلم إلى أمدها من الأخبار ، واتصلت بنا البيعات من جميع الأقطار ، وعفّى على حزن المسلمين بوالدنا ما ظهر عليهم بولايتنا من الاستبشار ، واستبقوا تطير بهم أجنحة الابتدار ، جعلنا الله تعالى ممن قابل الحوادث بالاعتبار ، وكان على حذر من تصاريف الأقدار ، واختلاف الليل والنهار ، وأعاننا على إقامة دينه في هذا الوطن الغريب المنقطع بين العدو الطاغي والبحر الزخّار ، وألهمنا من شكره ما يتكفل (٥) بالمزيد من نعمه ، ولا قطع عنا عوائد كرمه ، وإن فقدنا والدنا فأنتم لنا من بعده الوالد ، والذخر الذي تكرم منه العوائد ، والحبّ يتوارث كما ورد في الأخبار التي صحت (٦) منها الشواهد ، ومن أعدّ مثلكم لبنيه ، فقد تيسرت من بعد الممات أمانيه ، وتأسست قواعد ملكه وتشيدت مبانيه ، والاعتقاد الجميل موصول ، والفروع لها في
__________________
(١) الحين ـ بفتح فسكون : الموت والهلاك.
(٢) الذماء ـ بفتح الذال : بقية الروح من الجسد.
(٣) في ج «فاستنفد إلى نصه» تحريف.
(٤) في نسخة «ومن شره منهم للغوار». والغوار : الغارة والانقضاض.
(٥) في ب «لما يتكفل».
(٦) في ه «وضحت منها الشواهد».