في نهاية كل أمر وابتدائه ، من حمراء غرناطة ـ حرمها الله تعالى! ـ ولا زائد بفضل الله سبحانه ثم ببركة سيدنا ومولانا محمد رسوله الكريم الذي أوضح برهانه ، وعظم أمره ورفع شأنه ، ثم بما عندنا من الود الكريم وتجديد العهد القديم لمقامكم أعلى الله تعالى سلطانه ، إلا الخير الهامي (١) السحاب ، والتيسير (٢) المتين الأسباب ، واليمن المفتح الأبواب ، والسعد الجديد الأثواب ، ومقامكم معتمد بترفيع الجناب ، متعهد (٣) بالود الخالص والاعتقاد اللّباب (٤) ، معلوم له (٥) فضل الدين وأصالة الأحساب ، وإلى هذا وصل الله تعالى سعدكم (٦) مديد الأطناب ، ثاقب الشّهاب ، وأطلع عليكم وجوه البشائر سافرة النقاب ، فإنه قد كان بلغكم ما آلت الحال إليه بطاغية قشتالة الذي كلب على هذه الأقطار الغربية من وراء البحار ، وما سامها من الأوصاب (٧) والإضرار ، وأنه جرى في ميدان الإملاء والاغترار ، ومحّص المسلمون على يده بالوقائع العظيمة الكبار ، وأنه نكث العهد الذي عقده ، وحل الميثاق الذي أكّده ، وحمله الطمع الفاضح على أن أجلب على بلاد المسلمين بخيله ورجله (٨) ، ودهمها بتيار سيله وقطع ليله ، وأمل أن يستولي على جبل الفتح الذي يدعي منه فتحها ، وطلع للملة المحمدية صبحها ، فضيقه حصارا ، واتخذه دارا ، وعندما عظم الإشفاق ، وأظلمت الآفاق ، ظهر فينا لقدرة الله تعالى الصنع العجيب ، ونزل الفرج القريب ، وقبل الدعاء السميع المجيب ، وطرق الطاغية ، جند من جنود الله تعالى أخذه أخذة رابية ، ولم يبق له من باقية ، فهلك على الجبل حتف أنفه ، وغالته غوائل حتفه ، فتفرقت جموعه وأحزابه ، وانقطعت أسبابه ، وتعجل لنار الله تعالى مآبه ، وأصبحت البلاد مستبشرة ، ورحمة الله منتشرة ، ورأينا أن هذه البشارة التي يأخذ منها كل معلم بالنصيب الموفور ، ويشارك فيما جلبته من السرور ، أنتم أولى من نتحفه بطيب ريّاها. ونطلع عليه جميل محيّاها ، لما تقرر عندنا من دينكم المتين ، وفضلكم المبين ، وعملكم في المساهمة (٩) على شاكلة صالحي السلاطين ، فما ذلك إلا فضل نيتكم للمسلمين في هذه
__________________
(١) الهامي : المنهمر.
(٢) في ب «واليسر المتين الأسباب».
(٣) في ج «معتمد».
(٤) اللباب : الخالص.
(٥) في ب ، ه «معلوم له من فضل الدين وأصالة الأحساب».
(٦) في ه «أوصل الله لكم سعدا مديد الأطناب».
(٧) في ب ، ه «وما سامها من الإرهاق والإضرار».
(٨) أجلب : صاح بقهر ، وفي التنزيل العزيز(وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ).
(٩) في ب ، ه «من المساهمة».