كلما استشرت (١) ، ويحلي موارد العاقبة (٢) كلما أمّرت ، ويعفّي على آثار الأطماع الكاذبة مهما خدعت بخلّبها وغرت ، ويضمن سعده عودة الأمور إلى أفضل ما عليه استقرت ، معظم مقامه الذي هو بالتعظيم حقيق ، وموقر ملكه الذي لا يلتبس منه في الفخر والعز طريق ، ولا يختلف في فضله العميم ومجده الكريم فريق.
أما بعد حمد الله المثيب المعاقب ، الكفيل لأهل التقوى بحسن العواقب ، المشيد بالعمل الصالح إلى أرفع المراقي والمراقب (٣) ، يهدي من يشاء ويضل من يشاء فبقضائه وقدره اختلاف المسالك والمذاهب ، والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد رسوله الحاشر العاقب ، ونبيه الكريم الرؤوف الرحيم ذي المفاخر السامية والمناقب ، والرضا عن آله وأصحابه وأنصاره وأحزابه الذين ظاهروه في حياته بإعمال السّمر العوالي والبيض القواضب (٤) ، وخلفوه في أمته بخلوص الضمائر عن شوب الشوائب (٥) ، فكانوا في سماء ملته كالنجوم الثواقب ، والدعاء لمقامكم الأسمى بالسعادة المعادة في الشاهد من الزمن والغائب ، والنصر الذي يقضي بعز الكتائب ، والصنع الذي تطلع من ثناياه غرر الصنائع العجائب ، من حمراء غرناطة حرسها الله تعالى ولا زائد بفضل الله سبحانه ثم بما عندنا من الاعتداد بمقامكم أعلى الله تعالى سلطانه ، وشمل بالتمهيد أوطانه ، إلّا نشيّع ثابت ويريد (٦) ، وإخلاص ما عليه في ميدان الاستطاعة مزيد ، وتعظيم أشرق (٧) منه جيد ، وثناء راق فوق رياضه تحميد وتمجيد ، وإلى هذا وصل الله تعالى سعدكم ، وحرس الطاهر الكريم مجدكم ، فقد وصلنا كتابكم الذي هو على الخلوص والاعتقاد عنوان ، وفي الاحتجاج على الرضا والقبول برهان ، تنطق بالفصل (٨) فصوله ، وتشير إلى كرم العقد فروعه الزكية وأصوله ، ويحق أن ينسب إلى ذلك الفخر الأصيل محصوله ، عرفتمونا بما ذهب إليه عيسى بن الحسين من الخلاف الذي ارتكبه ، وسبيل الصواب الذي انتكبه (٩) ، وتنبهون (١٠) على ما حده الحق في مثل ذلك وأوجبه ، حتى لا يصل أحد من جهتنا سببه ، ولا
__________________
(١) استشرت : عظم خطبها وصعب دفعها. والأدواء : الأمراض.
(٢) في ب «موارد العافية».
(٣) المرقب : المكان المرتفع يستعمل للمراقبة وجمعه مراقب.
(٤) البيض القواضب : السيوف القاطعة.
(٥) في ب ، ه «عند شوب الشوائب».
(٦) في ب «ويزيد».
(٧) في ب ، ه «أشرف منه جيد». وكلا المعنيين حسن.
(٨) في ب «تنطق بالفضل».
(٩) انتكبه وتنكبه : عدل عنه.
(١٠) في ه «وتنبهونا».