إلى أمراء الفرقة الهمل ، الذين هم منهم ما بين فشل ووكل ، يصدونهم عن سواء السبيل ، ويلبسون عليهم الدليل (١) ، ولم تزل آفة الناس منذ خلقوا في صنفين هم كالملح فيهم الأمراء والفقهاء بصلاحهم يصلحون وبفسادهم يفسدون ، فقد خص الله تعالى هذا القرن الذي نحن فيه من اعوجاج صنفيهم لدينا بما لا كفاية له ولا مخلص منه ، فالأمراء القاسطون (٢) قد نكبوا عن نهج الطريق ذيادا عن الجماعة ، وجريا إلى الفرقة ، والفقهاء أئمتهم صموت عنهم صدوف عما أكده الله تعالى عليهم من التبيين لهم ، قد أصبحوا ما بين آكل من حلوائهم ، وخابط في أهوائهم ، وبين مستشعر مخافتهم ، آخذ في التّقية من صدقهم ، وأولئك هم الأقلون فيهم ، فما القول في أرض فسد ملحها الذي هو المصلح لجميع أغذيتها؟ وما هي إلا مشفية من بوارها (٣) ، ولقد طما العجب من أفعال هؤلاء الأمراء ، لم يكن عندهم لهذه الحادثة إلا الفزع لحفر الخنادق ، وتعلية الأسوار ، وشدّ الأركان ، وتوثيق البنيان ، كاشفين لعدوّهم عن السّوأة السّوأى من إلقائهم يومئذ بأيديهم إليه أمورا قبيحات الصور ، مؤذيات الصدور بأعجاز الغير. [الوافر]
أمور لو تدبّرها حكيم |
|
إذا لنهى وهبّب ما استطاعا (٤) |
ثم قال ابن حيان : فلما كان عقب جمادى الأولى سنة ٤٥٧ شاع الخبر بقرطبة برجوع المسلمين إليها ، وذلك أن أحمد المقتدر بن هود المفرط فيها ، والمتهم على أهلها ، لانحرافهم إلى أخيه ، صمد لها مع إمداد لحليفه (٥) عبّاد ، وسعى لإصمات سوء المقالة عنه ، وقد كتب الله تعالى عليه منها ما لا يمحوه إلا عفوه ، فتأهّب لقصد بر بشتر في جموع من المسلمين ، فجالدوا الكفار بها جلادا ارتاب منه كل جبان ، وأعز الله سبحانه أهل الحفيظة والشجعان ، وحمي الوطيس بينهم إلى أن نصر الله تعالى أولياءه ، وخذل أعداءه ، وولّوا الأدبار مقتحمين أبواب المدينة ، فاقتحمها المسلمون عليهم ، وملكوهم أجمعين ، إلا من فر من مكان الوقعة ، ولم يدخل المدينة ، فأجيل السيف في الكافرين ، واستؤصلوا أجمعين ، إلا من استرق من أصاغرهم ، وفدي من أعاظمهم ، وسبوا جميع من كان فيها من عيالهم وأبنائهم ، وملكوا
__________________
(١) في ب ، ه «ويلبسون عليهم وضوح الدليل».
(٢) القاسطون : الظالمون الجائرون.
(٣) البوار : الهلاك.
(٤) البيت للقطامي عمير بن شييم (ديوانه ٣٩) وهو في ديوانه هكذا :
أمور لا تلافاها حليم |
|
إذا لنهى وهيب ما استطاعا |
وفي ج «لنهى وحبب» وفي ب ، ه إذن لنهى وهيب».
(٥) في أ«الخليفة عباد».