فتبا لدينا لا يدوم نعيمها |
|
تقلّب تارات بنا وتصرّف (١) |
وأبيها لقد أرهقتنا إرهاقا ، وجرعتنا من صاب الأوصاب كأسا دهاقا (٢) ، ولم نفزع إلى غير بابكم المنيع الجناب ، المنفتح حين سدت الأبواب ، ولم نلبس غير لباس نعمائكم حين خلعنا ما ألبسنا الملك من الأثواب ، وإلى أمه يلجأ الطفل لجأ اللهفان ، وعند الشدائد تمتاز السيوف من الأجفان (٣) ، ووجه الله تعالى يبقى وكلّ من عليها فان ، وإلى هنا ينتهي القائل ثم يقول : حسبي هذا وكفان.
ولا ريب في اشتمال العلم الكريم ، على ما تعارفته الملوك بينها في الحديث والقديم ، من الأخذ باليد عن زلّة القدم ، وقرع الأسنان وعض البنان من الندم (٤) ، دينا تدينت [حتى] مع اختلاف الأديان ، وعادة أطردت [فيهم] على تعاقب الأزمان والأحيان.
ولقد عرض علينا صاحب قشتالة مواضع معتبرة خير فيها ، وأعطى من أمانه المؤكد فيه خطه بأيمانه ما يقنع النفوس ويكفيها ، فلم نر ونحن من سلالة الأحمر مجاورة الصّفر ، ولا سوّغ لنا الإيمان الإقامة بين ظهراني الكفر ، ما وجدنا عن ذلك مندوحة ولو شاسعة ، وأمنا من المطالب المشاغب حمة (٥) شرّ لنا لاسعة ، وادّكرنا أيّ ادكار ، قول الله تعالى المنكر لذلك غاية الإنكار (ألم تكن أرض الله واسعة) وقول الرسول عليه الصلاة والسلام ، المبالغ في ذلك بأبلغ الكلام «أنا بريء من مؤمن مع كافر لا تتراءى ناراهما» وقول الشاعر الحاث على حث المطية ، المتثاقلة عن السير في طريق منجاتها البطيّة : [الوافر]
وما أنا والتّلدّد نحو نجد |
|
وقد غصّت تهامة بالرّجال (٦) |
ووصلت أيضا من الشرق إلينا ، كتب كريمة المقاصد لدينا ، تستدعي الانحياز إلى تلك الجنبات ، وتتضمن ما لا مزيد عليه من الرغبات ، فلم نختر إلا دارنا التي كانت دار آبائنا من قبلنا ، ولم نرتض الانضواء إلا لمن بحبله وصل حبلنا ، وبريش نبله ريش نبلنا ، إدلالا على
__________________
(١) في ب «فأف لدينا».
(٢) الصاب : شجر مر. والأوصاب : الأمراض جمع وصب. ودهاقا : ملآن.
(٣) في ب ، ه «تمتاز السيوف في الأجفان من الأجفان».
(٤) البنان : أطراف الأصابع. وعض البنان : كناية عن شدة الندم.
(٥) الخمة ـ بضم الحاء وفتح الميم المخففة. إبرة الحية والعقرب وغير هما.
(٦) في ج ، ه «وما أنا والتلذذ نحو نجد» بذالين معجمتين ، وليس بذلك. والتلدد ـ بالمهملتين ـ التلبّث في حيرة وتلفت.