وينصبون حبائل البغي والفساد في جميع النواحي والآفاق ، فلن يجعلهم الله عز وجل من الآمنين ، أنّى وكيف وقد أفسدوا وخانوا وهو سبحانه لا يصلح عمل المفسدين ، ولا يهدي كيد الخائنين ، وها نحن قد وجّهنا إلى كعبة مجدكم وجوه صلوات التقديس والتعظيم ، بعد ما زينا معاطفها باستعطافكم بدرّ ثناء أبهى من در العقد النظيم ، منتظمين في سلك أوليائكم ، متشرفين بخدمة عليائكم ، ولا فقد عزة ولا عدمها ، من قصد مثابتكم (١) العزيزة وخدمها ، وإن المترامي على سنائكم ، لجدير بحرمتكم واعتنائكم ، وكل ملهوف تبوّأ من كنفكم حصنا حصينا ، عاش بقية عمره محروسا من الضّيم مصونا ، وقد قيل في بعض الكلام : من قعدت به نكاية الأيام ، أقامته إغاثة الكرام ، ومولانا أيده الله تعالى ولي ما يزفه إلينا من مكرمة بكر ، ويصنعه لنا من صنيع حافل يخلد في صحائف حسن الذكر ، ويروى معنعن حديث حمده وشكره طرس عن قلم عن بنان عن لسان عن فكر ، وغيره من ينام عن ذلك فيوقظ ، ويسترسل مع الغفلة حتى يذكر ويوعظ ، وما عهد منذ وجد إلا سريعا إلى داعي الندى والتكرم ، بريئا من الضجر بالمطالبة والتبرم ، حافظا للجار الذي أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بحفظه ، مستفرغا وسعه في رعيه المستمر ولحظه ، آخذا من حسن الثناء في جميع الأوقات والآناء بحظه : [الخفيف]
فهو من دوحة السّنا فرع عزّ |
|
ليس يحتاج مجتنيه لهزّ |
كفّه في الأمحال أغزر وبل |
|
وذراه في الخوف أمنع حرز (٢) |
حلمه يسفر اسمه لك عنه |
|
فتفهم يا مدّعي الفهم لغزي |
لا تسل شيئا ولا تستنله |
|
نظرة منه فيك تغني وتجزي (٣) |
فنداه هو الفرات الّذي قد |
|
عام فيه الأنام عوم الأوزّ (٤) |
وحماه هو المنيع الّذي تر |
|
جع عنه الخطوب مرجع عجز |
فدعوا ذهنه يزاول قولي |
|
فهو أدرى بما تضمّن رمزي |
دام يحيى بكلّ صنع ومنّ |
|
ويعافى من كلّ بؤس ورجز |
وكأنا به قد عمل على شاكلة جلاله ، من مد ظلاله ، وتمهيد خلاله (٥) ، وتلقى ورودنا
__________________
(١) المثابة : المكان الذي يرجع إليه وأراد مستقره.
(٢) الأمحال : جمع محل ، وهو الجدب ، والذرى ـ بفتح الذال والراء ـ ساحة الدار ، والملجأ.
(٣) تستنله : تطلب نواله ، وتجزي : أصله تجزىء ـ بالهمزة ـ فقلبت الهمزة ياء لسكونها بالوقف وانكسار ما قبلها.
(٤) نداه : كرمه. وفي ب «الإوزّ».
(٥) في ب «حلاله».