يزيحون عن النزيل كل نازح قاصم ، وليس لهم منهم عائب ولا واصم ، فهو أحق بما قاله في منقر قيس بن عاصم : [الكامل]
لا يفطنون لعيب جارهم |
|
وهمو لحفظ جوارهم فطن |
حلاهم هذه الغريزة التي ليست باستكراه ولا جعل ، وأمير المؤمنين دام نصره قسيمهم فيها حذو النعل بالنعل ، ثم هو عليهم وعلى من سواهم بالأوصاف الملوكية مستعل ، ارفضّ مزنهم منه غيث ملثّ يمحو آثار اللزبة (١) ، وانشق غيلهم منه عن ليث ضار متقبض على براثنه للوثبة ، فقل لسكان الفلا : لا تغرنكم أعدادكم وأمدادكم ، فلا يبالي السرحان المواشي سواء مشى إليها النّقرى أو الجفلى ، بل يصدمهم صدمة تحطم منهم كل عرنين (٢) ، ثم يبتلع بعد أشلاءهم المعفرة ابتلاع التنين ، فهو هو كما عرفوه ، وعهدوه وألفوه ، أخو المنايا ، وابن جلا وطلّاع الثنايا (٣) ، مجتمع أشده ، قد احتنكت سنه وبان رشده ، جاد مجدّ ، محتزم بحزام الحزم مشمر عن ساعد الجد : [البسيط]
لا يشرب الماء إلا من قليب دم |
|
ولا يبيت له جار على وجل |
أسديّ القلب آدميّ الرواء ، لابس جلد النمر يزوي العناد والنواء : [الطويل]
وليس بشاويّ عليه دمامة |
|
إذا ما سعى يسعى بقوس وأسهم |
ولكنّه يسعى عليه مفاضة |
|
دلاص كأعيان الجراد المنظّم |
فالنجاء النجاء سامعين له طائعين ، والوجل الوجل لاحقين به خاضعين ، قبل أن تساقوا إليه مقرّنين في الأصفاد ، ويعيا الفداء بنفائس النفوس والأموال على الفاد ، حينئذ يعض ذو الجهل والفدامة ، على يديه حسرة وندامة ، إذا رأى أبطال الجنود ، تحت خوافق الرايات والبنود ، قد لفحتهم نار ليست بذات خمود ، وأخذتهم صاعقة مثل صاعقة الذي من قبلهم عاد وثمود ، زعقات تؤز الكتائب أزّا ، وهمزا محققا للخيل بعد المد المشبع للأعنة همزا ، وسلّا للهندية سلّا وهزّا للخطّية هزا ، حتى يقول النسر للذئب (هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً) [مريم : ٩٨] ثق خليفة الله بذاك ، في كل من رام أذى رعيتك أو أذاك ، فتلك عادة الله سبحانه وتعالى في ذوي الشقاق والنفاق ، الذين يشقون عصا المسلمين ويقطعون طريق الرفاق ،
__________________
(١) اللزبة : الشدة ، والقحط ، والمجاعة.
(٢) العرنين : الأنف.
(٣) أخذ هذا البيت وما بعده من قول سحيم :
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا |
|
من أضع العمامة تعرفوني |