الله عنه قال : كيف قال الله (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(١) مع أنه منعنا عن الزنا؟ فقال ابن عباس : بلى ، ولكن الإصر (٢) الذي كان على بني إسرائيل وضع عنّا (٣).
وهذا قول الكلبي. قال المفسرون : معناه لا يبتلى بشيء من الذنوب إلا جعل الله له منها مخرجا بعضها بالتوبة ، وبعضها برد المظالم والقصاص ، وبعضها بالكفارات وليس في دين الله ذنب إلا يجد العبد سبيلا إلى الخلاص من العذاب منه (٤). وقال ابن عباس (٥) ومقاتل : هو الإتيان بالرخص ، فمن لم يستطع أن يصلي قائما فليصل (٦) جالسا ، ومن لم يستطع ذلك فليوم ، وإباحة الفطر في السفر للصائم ، والقصر فيه والتيمم وأكل الميتة عند الضرورة (٧).
فصل
استدلت المعتزلة بهذه الآية على المنع من تكليف ما لا يطاق ، وقالوا : لما خلق الله الكفر والمعصية في الكافر والعاصي ، ثم نهاه عنه كان ذلك من أعظم الحرج ، وذلك منفي بصريح هذا النص.
والجواب أنه لما أمره بترك الكفر ، وترك الكفر يقتضي انقلاب علمه جهلا ، فقد أمر المكلف بقلب علم الله جهلا ، وذلك من أعظم الحرج ، ولما استوى العدمان زال السؤال (٨).
الموجب الثاني : قوله : (مِلَّةَ أَبِيكُمْ) فيه أوجه :
أحدها : أنها منصوبة باتبعوا مضمرا. قاله الحوفي وتبعه أبو البقاء (٩).
الثاني : أنها منصوبة على الاختصاص ، أي (١٠) : أعني بالدين ملة أبيكم (١١).
الثالث (١٢) : أنها منصوبة بمضمون ما تقدمها ، كأنه قال : وسع دينكم توسعة ملة أبيكم ، ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه (١٣) مقامه. قاله الزمخشري (١٤). وهذا أظهرها (١٥).
الرابع : أنها (١٦) منصوبة (١٧) بجعلها مقدرا. قاله ابن عطية (١٨).
__________________
(١) ما بين القوسين سقط من ب.
(٢) في الأصل : الأصل. وهو تحريف.
(٣) آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي ٢٣ / ٧٤.
(٤) انظر البغوي ٥ / ٦١٥.
(٥) ابن عباس : سقط من ب.
(٦) في ب : فليصلي. وهو تحريف.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٧٤.
(٨) انظر الفخر الرازي ٢٣ / ٧٤.
(٩) التبيان ٢ / ٩٤٩. وانظر البيان ٢ / ١٧٩.
(١٠) أي : سقط من ب.
(١١) انظر الكشاف ٣ / ٤١ ، البحر المحيط ٦ / ٣٩١.
(١٢) في ب : الثالث : أنها منصوبة بالاختصاص أعني بالدين ملة أبيكم. الرابع.
(١٣) إليه : سقط من ب.
(١٤) الكشاف ٣ / ٤١.
(١٥) في ب : أظهرهما. وهو تحريف.
(١٦) في الأصل : أنه.
(١٧) في النسختين : منصوب.
(١٨) تفسير ابن عطية ١٠ / ٣٢٦. والبيان ٢ / ١٧٩.