ربهم في الدنيا فقالوا : (رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ)(١) [آل عمران : ١٩٤] وقال محمد بن كعب القرظي : الملائكة سألوا ربهم للمؤمنين بقولهم (٢) : (رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ)(٣) [غافر : ٨].
وقيل : إن المكلفين سألوه (٤) بلسان الحال ؛ لأنهم لما تحملوا المشقة الشديدة في طاعة الله كان ذلك قائما مقام السؤال ، قال المتنبي (٥) :
٣٨٦٧ ـ وفي النّفس حاجات وفيك فطانة |
|
سكوتي كلام عندها وخطاب (٦) |
وقيل : (وَعْداً مَسْؤُلاً) أي : واجبا وإن لم يسأل. قاله الفراء (٧) وقيل : «مسؤولا» أي : من حقه أن يكون مسؤولا ، لأنه حق واجب إما بحكم الاستحقاق على قول المعتزلة ، أو بحكم الوعد على قول أهل السنة (٨).
قوله تعالى : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (١٧) قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً (١٨) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً (١٩) وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً) (٢٠)
قوله تعالى : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) الآية قرأ ابن عامر «نحشرهم ... فنقول» بالنون فيهما ، وابن كثير وحفص بالياء من تحت فيهما ، والباقون بالنون في الأوّل وبالياء في الثاني (٩). وهنّ واضحات.
__________________
(١) [آل عمران : ١٩٤]. انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦٠.
(٢) بقولهم : سقط من ب.
(٣) [غافر : ٨]. انظر القرطبي ١٣ / ٩ ـ ١٠.
(٤) في ب : سألوا.
(٥) هو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الكوفي الكندي ، أبو الطيب المتنبي الشاعر الحكيم ، وأحد مفاخر الأدب العربي ، له الأمثال السائرة ، والحكم البالغة والمعاني المبتكرة مات سنة ٣٥٤ ه.
الأعلام ١ / ١١٠ ـ ١١١.
(٦) ينظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦٠. البيت من بحر الطويل قاله المتنبي من قصيدة في مدح كافور ، وهو في ديوانه ١ / ٣٢٤ ، يقول : إن في نفسي حاجات لا ينبعث بها لساني وأنت من الفطانة بحيث تدركها دون أن أذكرها ، فسكوتي عنها يقوم مقام الإفصاح عنها.
(٧) معاني القرآن ٢ / ٢٦٣.
(٨) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٦٠.
(٩) السبعة (٤٦٢ ـ ٤٦٣) ، الحجة لابن خالويه (٢٦٥) ، الكشف ٢ / ١٤٤ ـ ١٤٥ النشر ٢ / ٣٣٣ ، الإتحاف (٣٢٨).