الجملة من قوله «فاسأل» (١) على رأي الأخفش (٢) كقوله :
٣٨٧٩ ـ وقائلة خولان فانكح فتاتهم (٣)
أو يكون صفة الذي خلق (٤) ، إذا قلنا : إنه مرفوع.
وقرأ زيد بن علي «الرّحمن» بالجر فيتعين أن يكون نعتا للذي خلق و (الَّذِي خَلَقَ) صفة للحي فقط ، لئلا يفصل بين النعت ومنعوته بأجنبي (٥).
قوله : (فَسْئَلْ بِهِ) في الباء قولان : أحدهما : هي على بابها ، وهي متعلقة بالسؤال ، والمراد ب «الخبير» الله تعالى ، ويكون من التجريد (٦) ، كقولك : لقيت به أسدا والمعنى فاسأل الله الخبير بالأشياء.
قال الزمخشري : أو فاسأل (٧) بسؤاله خبيرا كقولك : رأيت به أسدا ، أي برؤيته (٨) انتهى. قال الكلبي : فاسأل خبيرا (٩) به ، فقوله : «به» يعود إلى ما ذكر من خلق السموات والاستواء على العرش ، والباء من صلة الخبير ، وذلك الخبير هو الله تعالى ؛ لأنه لا دليل في العقل على كيفية خلق السموات والأرض ، ولا يعلمها أحد إلا الله تعالى (١٠) ، ف «خبيرا» مفعول «اسأل» (١١) على هذا ، أو منصوب على الحال المؤكدة (١٢) ، واستضعفه أبو البقاء. قال : ويضعف أن يكون «خبيرا» حالا من فاعل «اسأل» ؛ لأن «الخبير» لا يسأل إلا على جهة التوكيد كقوله : (وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً) [البقرة : ٩١]. ثم قال : ويجوز أن يكون حالا من «الرّحمن» إذا رفعته ب «استوى» (١٣). والثاني: أن تكون الباء بمعنى «عن» (١٤) إما مطلقا وإما مع السؤال (١٥) خاصة كهذه الآية الكريمة ، وكقول علقمة بن عبدة :
__________________
(١) انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج ٤ / ٧٣ ، إعراب القرآن للنحاس ٣ / ١٦٥ ، البيان ٢ / ٢٠٧.
(٢) لأنه يجوز زيادة الفاء في خبر المبتدأ مطلقا. انظر معاني القرآن ١ / ٢٦٥.
(٣) صدر بيت من بحر الطويل ، وعجزه : وأكرومة الحيّين خلو كما هيا.
لم يعرف قائله وهو في معاني القرآن للأخفش ١ / ٢٤٧ ، الكتاب ١ / ١٦٥ ، ١٤٣ ، ٣ / ١٧٨ ، ابن يعيش ١ / ١٠٠ ، ٨ / ٩٥ ، اللسان (هلا) المغني ١ / ١٦٥ ، ٢ / ٤٨٣ ، المقاصد النحوية ٢ / ٥٣٩ ، التصريح ١ / ٢٩٩ ، الهمع ١ / ١١٠ ، شرح شواهد المغني ١ / ٤٦٨.
(٤) انظر البحر المحيط ٦ / ٥٠٨.
(٥) تقدم قريبا.
(٦) وهو من المحسنات البديعية ، وهو : أن ينتزع من أمر ذي صفة أمر آخر مثله في تلك الصفة ، مبالغة في كمالها فيه. انظر الإيضاح (٣٧٤).
(٧) في ب : إذا سأل.
(٨) الكشاف ٣ / ١٠٢.
(٩) في ب : به خبيرا به.
(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٠٥ ، البحر المحيط ٦ / ٥٠٨ ـ ٥٠٩.
(١١) انظر تفسير ابن عطية ١١ / ٦٠ ، الكشاف ٣ / ١٠٢.
(١٢) انظر تفسير ابن عطية ١١ / ٦٠.
(١٣) التبيان ٢ / ٩٨٩.
(١٤) انظر البيان ٢ / ٢٠٧ ، التبيان ٢ / ٩٨٩.
(١٥) من معاني الباء المجاوزة ك «عن» فقيل : تختص بالسؤال ، نحو «فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً» بدليل «يَسْئَلُونَ عَنْ ـ