في الأول : ظاهر في تعيّن القصر في بريد. والثاني : دال على أنّ أدنى ما يقصّر فيه المسافر بريد ، وقول الشيخ : إنّه لا تنافي بينهما وبين الخبرين. كان الأولى فيه أن يقول : وبين الأخبار. وحمل الشيخ على إرادة الرجوع محلّ تأمّل ، وقد تبعه عليه جماعة من المتأخّرين (١) ، ووجه التأمّل أنّ ما استدل به على الجمع غير واضح الدلالة ؛ إذ ليس في خبر معاوية ما يدل على أنّ إرادة الرجوع يوجب التقصير ، ولا على أنّ الرجوع في اليوم ، بل ربما يستفاد منها أنّه لو رجع بالفعل تحقّقت الثمانية.
وما اعتبره الشيخ من نيّة الرجوع في غاية الإشكال بتقدير أن يتفق عدم الرجوع مع نيّته ، أو الرجوع مع عدم نيّته ، أو حصول النية ابتداءً وعدمها في الأثناء ، أو نحو ذلك ، فإذا لم يتم الدليل على هذا يشكل الحكم في جميع الأفراد ، على أنّ رواية معاوية محتملة لإرادة أنّ البريد ذهاباً يوجب التقصير ، وكذلك البريد جائياً ؛ لأنّ السؤال عن الأدنى ، فلو اعتبر الذهاب والإياب بَعُدَ عن الأدنى إلاّ بتوجيه أنّ الثمانية ذهاباً أعلى ، وفيه أنّ المساواة تحصل أيضاً ، ولعلّ التوجيه ممكن في الأدنى بغير ما ذكر.
وفي التهذيب استدل أيضاً بخبر لمحمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام قال : سألته عن التقصير ، قال : « في بريد » قلت : بريد ، قال : « إنّه إذا ذهب بريداً ورجع بريداً شغل يومه » (٢).
__________________
(١) منهم المحقق في المعتبر ٢ : ٤٦٧ ، والعلامة في المنتهى ١ : ٣٩٠ ، والشهيد الأول في البيان : ٢٥٩.
(٢) التهذيب ٤ : ٢٢٤ / ٦٥٨ ، الوسائل ٨ : ٤٥٩ أبواب صلاة المسافر ب ٢ ح ٩.