أمّا أوّلاً : فلأنّ الخبر الأخير يدلّ على أنّ صاحب الجِمال إذا لم يكن مداوماً على السفر يلزمه التقصير ، وقول الشيخ : إنّ التمام إنّما يجب على هؤلاء إذا أقاموا خمسة فما دونها ، فأمّا إذا كان أكثر من ذلك فحكمهم التقصير. غير مفاد الرواية ؛ لأنّ مفادها ظاهراً أنّه إذا لم يخرج في كلّ سفر إلاّ إلى مكة فعليه القصر ، والمفهوم من هذا أنّه لو داوم على السفر لزمه الإتمام (١) وإرادة السفر في كلّ وقت من الأوقات بعيدة ، بل يقرب السفر المعتاد ، والحمل على أنّه أقام عشرة بعيد ، بل الظاهر نفيه ( من الخبر ) (٢).
وأمّا غيره من الأخبار السابقة فيمكن دعوى إطلاقها فتقيد بغيرها إن ثبت ، وستسمع الكلام في الأخبار التي استدلّ بها الشيخ.
وأمّا ثانياً : فلأنّ قوله : إذا كان مقامهم خمسة فما دونها ، ثمّ قوله : وأمّا إذا كان أكثر من ذلك. يوهم أنّ إقامة ستّة أيّام فما فوقها يوجب التقصير ، والأخبار تفيد خلاف ذلك كما يجيء إن شاء الله ومراده بما فوقها : العشرة ، لكن العبارة لا يخفى حالها.
ثمّ إنّ روايتي إسحاق بن عمّار ربما يلوح منهما عدم المداومة على السفر ؛ لأنّ قوله في الثانية : كلّما جاءهم شيء اختلفوا ، يدلّ على أنّ سفرهم موقوف ، وكذلك في الأُولى لقوله : يختلفون كلّ أيّام.
وإذا عرفت هذا فاعلم أنّ الخبر الأخير ، وهو خبر محمّد بن جزك فيه تأييد للتعليل المستفاد من الخبر السابق في قوله : « لأنّه عملهم » ويستفاد منه أيضاً أنّ الجمّال ليس هو صاحب الجِمال ، بل من يكري الجِمال ويسافر معها ، وربما يدّعى عدم لزوم كون الجمال للكراء كما يظهر من الرواية.
__________________
(١) في « د » : التمام.
(٢) ما بين القوسين ليس في « د ».